= خلق اللَّه كلهم، ودلاني الرفرف الأخضر الذي أنا عليه فجعل يخفضني ويرفعني في عليين، فجعلت أرتفع مرة كأنه يطار بي، ويخفضني مرة كأنه يخفض بي إلى ما هو أسفل مني، فظننت أني أهوي في جو عليين، فلم يزل ذلك الرفرف يفعل ذلك بي خفضًا ورفعًا حتى أهوى بي إلى جبريل، فتناولني منه وارتفع الرفرف حتى توارى عن بصري، فإذا إلهي قد ثبت بصري في قلبي، وإذا أنا أبصر بقلبي ما خلفي كما أبصر بعيني ما أمامي، فلما أكرمني ربي برويته أحد بصري". فنظر إلي جبريل فلما رأى ما بي قال: لا تخف يا محمد، وتثبت بقوة اللَّه، أيدك اللَّه بالثبات لروية نور العرش، ونور الحجب، ونور البحار والجبال التي في عليين، ونور الكروبيين، وما تحت ذلك من عجائب خلق ربي إلى منتهى الأرض أرى ذاك كله بعضه من تحت بعض بعدما كان يشق عليك رؤية واحد منهم ويحار بصرك دونه. "فسمعت فإذا أصوات الكروبيين وما فوقهم وصوت العرش وأصوات الحجب قد ارتفعت حولي بالتسبيح للَّه والتقديس للَّه والثناء على اللَّه، فسمعت أصواتا شتى منها صرير ومنها زجل ومنها هدير ومنها دوي ومنها قصيف مختلفة بعضها فوق بعض فروعت لذلك روعًا لما سمعت من العجائب" فقال لي جبريل: لم تفزع يا رسول اللَّه، أبشر فإن اللَّه تعالى قد درأ عنك الروعات والمخاوف كلها، واعلم علمًا يقينًا أنك خيرته من خلقه وصفوته من البشر، حباك بما لم يحبه أحدًا من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولقد قربك الرحمن -عَزَّ وَجَلَّ- إليه قريبًا من عرشه مكانًا لم يصل إليه ولا قرب منه أحد من خلقه قط لا من أهل السموات ولا من أهل الأرض، فهنأك اللَّه بكرامته واجتباك به، وأنزلك من المنزلة الأثيرة والكرامة الفائقة، فجدد لربك بشكره فإنه يحب الشاكرين، ويستوجب لك المزيد منه عند الشكر منك. "فحمدت اللَّه على ما اصطفاني به وأكرمني" ثم قال جبريل: يا رسول اللَّه انظر إلى الجنة حتى أريك ما لك فيها، وما أعد اللَّه لك فيها، فتعرف ما يكون معادك بعد الموت، فتزداد في الدنيا زهادة إلى زهادتك فيها، وتزداد في الآخرة رغبة إلى رغبتك فيها. قلت: "نعم فسرت مع جبريل بحمد ربي من عليين يهوي منقضًا أسرع من السهم والريح، فذهب روعي الذي كان قد استحملني بعد سماع المسبحين حول العرش، وثاب إلى فؤادي فكلمت جبريل وأنشأت أسأله عما كنت رأيت في عليين، قلت: يا جبريل ما تلك البحور التي رأيت من النور والظلمة والنار والماء والدر والثلج والنور؟ " قال: سبحان اللَّه، تلك سرادقات رب العزة التي أحاط بها عرشه، فهي ستره دون الحجب السبعين التي احتجب بها الرحمن من خلقه، وتلك السرادقات ستور للخلائق من نور الحجب، وما تحت ذلك كله من خلق اللَّه، وما عسى أن يكون ما رأيت من ذلك يا رسول اللَّه إلى ما غاب مما لم تره من عجائب خلق ربك في عليين. فقلت: "سبحان اللَّه العظيم ما أكثر عجائب خلقه، ولا أعجب من قدرته عند عظم ربوبيته، ثم قلت: يا جبريل من الملائكة الذين رأيت في البحور وما =