وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٣/ ٦٤ - ٦٦): قوله: "لا تشد الرحال" بضم أوله بلفظ النفي، والمراد النهي عن السفر إلى غيرها، قال الطيبي: هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به، والرحال بالمهمله جمع رحل، وهو للبعير كالسرج للفرس، وكنى بشد الرحال عن السفر؛ لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور، ويدل عليه قوله في بعض طرقه: "إنما يسافر"، أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أنس، عن سليمان الأغر، عن أبي هريرة. قوله: "إلا" الاستثناء مفرغ، والتقدير: لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها؛ لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام، لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص، وهو المسجد كما سيأتي. قوله: "المسجد الحرام" أي المحرم، وهو كقولهم الكتاب بمعنى المكتوب، والمسجد بالخفض على البدلية، ويجوز الرفع على الاستئناف، والمراد به جميع الحرم، وقيل: يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم، قال الطبري: ويتأيد بقوله: "مسجدي هذا"؛ لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك، وقيل: المراد به الكعبة، حكاه المحب الطبري، وذكر أنه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ: "إلا الكعبة"، وفيه نظر؛ لأن الذي عند النسائي الا مسجد الكعبة، حتى ولو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له: هذا الفضل في المسجد وحده، أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد. قوله: "ومسجد الرسول" أي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي العدول عن مسجدي إشارة إلى التعظيم، ويحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة، ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد الآتي قريبًا: "ومسجدي". قوله: "ومسجد الأقصى" أي بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقد جوزه الكوفيون واستشهدوا له بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} والبصريون يؤولونه بإضمار المكان، أي الذي بجانب المكان الغربي ومسجد المكان الأقصى ونحو ذلك، وسمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافه، وقيل في الزمان، وفيه نظر؛ لأنه ثَبَتَ في الصحيح أن بينهما أربعين سنة، وسيأتي في ترجمة إبراهيم الخليل من أحاديث الأنبياء وبيان ما فيه من الإشكال والجواب عنه، وقال الزمخشري: =