للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}. تُرِيدُ لِوَجْهِ اللَّهِ خَالِصًا، لَا لِشَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، يَعْنِي: يَكُونُ خَادِمًا لِبَيْتِ المقْدِسِ يَكْنُسُهُ، وَيَخْدُمُهُ، وَيَتَعَاهَدُ مَا يُصْلِحُهُ حَتَّى يَبْلغُ الحُلُمَ، ثُمَّ يُخَيَّرْ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَامَ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ ذَهَبَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ التخْييرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَحَرَّرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ مَا هُوَ، وَقَالَتْ: {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فَلَمَّا وَضَعَتهَا {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} أَي: إِنَّهَا عَوْرَة لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلْبُيوتِ {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} تُرِيدُ فِي صَلَاحٍ وَمَعْرِفَةٍ، تُسَبِّحُ اللَّه وَتُقَدِّسُهُ، وَتُقِيمُ فِي بَيْتِ المقْدِسِ فَتَكْنُسُهُ، وَتَعْمَل القَنَادِيلَ، وَتُسْرجُ المصَابِيحَ، فَلَمَّا هَمَّتْ أَنْ تَبْلُغَ مَبْلغً النَّسَاءِ كَفَلَهَا زَكَرِيَّا، وَكَانَ ابْنَ عَمَّهَا وَزَوْجَ أُخْتِهَا، فَصَارَتْ عِنْدَهُ، لَهَا غُرْفَةً مِنْ دَارِهِ بِسُّلَّمٍ لَهَا مِنْ دَارِهِ إِلَى مِحْرَابٍ لَهَا تُصَلِّي فِيهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، قَالَ: وَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا خَرَجَ أَغْلَقَ عَلَيْهَا البَابَ الَّذِي تَسْكُنُهُ، وَهُوَ الَّذي ظَهْرُهُ بَيْتُ المقْدِسِ، و {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} يُرِيدُ فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، حَيْثُ لَا فَاكِهَةَ {قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} تُرِيدُ تَأتِي بِهِ الملَائِكَةُ إِلَيْهَا وَهِيَ فِي المِحْرَابِ، وَلَيْسَ مِنْ أَجِنَّةِ الدُّنْيَا.

قَالَ: فآذَاهَا القُمَّلُ فِي رَأْسِهَا، فَتَمَنَّتْ أَنْ تَجِدَ خَلْوَةً إِلَى الجَبَلِ فَتُفَلِّيَ رَأْسَهَا، فَانْفَرَجَ السَّقْفُ لَهَا، فَخَرَجَتْ وَالبَابُ مُغْلَقٌ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ البَرْدِ، فَجَلَسَتْ فِي مشرفةٍ لِلشَّمْسِ، فَأَتَاهَا زَكَرِيَّا فَفَتَحَ البَابَ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} وَالحِجَابُ الجَبَلُ،

<<  <   >  >>