وكتب الصاحبُ: ووصل كتابُ القاضي فأعظمتُ قدر النعمة في مطلعه وأجللتُ محل الموهبة بموقعه وفضضته عن السحر الحلال والماء الزلال وسرحت الطرف منه في رياض رقت حواشيها وحلل تأنق واشيها فلم أتجاوز فصلاً إلا إلى أخضرَ منه فضلاً ولم أتخط سطراً إلا إلى أحسنَ منه نظماً ونثراً. ورفع رَجلٌ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر قصةً يعتذر فيها فرأى خطه رديئاً فوقع: قد أردنا قَبُولَ عذرك فاقتطعنا دونه ما قابلنا من قبح خطك ولو كنتَ صادقاً في إعتذراك لساعدتك حركة يدك أو ما علمتَ أن حسن الخط يُناضلُ عن صاحبه بوضوح الحجة ويمكن له درك البغية. وقال علي رضي الله عنه: الخطُ الحسنُ يزيد الحقَ وضُوحاً. وقيل: حسن الخط إحدى البلاغتين. ووصف الجاحظُ الكتاب فقال: الكتاب وعاءٌ مُلئ علماً وظرفٌ حشي ظرفاً وإناء شحن مزاحاً وجداً إن شئت كان أبين من سحبان وائل وإن شئت كان أعيا من باقل وإن شئت ضحكت من نوادره وإن شئت شجتك مواعظه ومن لك بواعظٍ ملهٍ وبزاجرٍ مغرٍ ويناسك فاتكٍ وبناطق أخرس وببادرٍ حار ومن لك بطبيب أعرابي وبرومي هندي وفارسي يوناني وبقديم مولد وبميت مُمتع ومن لك بشئ يجمع الأول والآخر والناقص والوافر والشاهد والغائب والرفيع والوضيع والغث والسمين والشكل والمثل وخلافه والجنس وضده. ودخل المأمونُ على بعض بنيه فوجدهُ ينظر في كتابٍ فقال يا بني ما في كتابك؟ قال بعضُ ما يشحذ الذهن ويؤنس الوحدة. فقال الحمد لله الذي رزقني ولداً يرى بعين عقله أكثر مما يرى بعين جسده وظل مفكراً في قول ولده الطفل.