القرآن، الذي بين أيدينا، والمنقول إلينا بالتواتر، هذا القرآن ليس فيه منسوخ لا آية، ولا أكثر، هذا مع علم صاحب هذه السطور بأن مسألة النسخ من مسائل علوم القرآن، وموضوعات الفقه وأصوله، حتى إن منكر النسخ يتهم بالعظائم، فإذا كان من العلماء من يحدث هؤلاء المشبهين بأن هذه الآية أو غيرها منسوخة، فإنما يجيبون على قدر علمهم.
ولا تثريب عليهم إلا تمحيص العلم، وعدم أخذه تقليدا.
إنهم يقلدون ولا يملكون الدليل.
فكل آية في المصحف محكمة.
وقد وصف اللَّه القرآن وآياته بأنها محكمة: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) .
كما أن اللَّه أمر بالرجوع إلى القرآن.
ولو كان فيه منسوخ لاستثناه (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) .
والرسول، في حجة الوداع (حجة الإسلام) في خطبته الجامعة، التي هي منهج الدستور العملي للأمة المسلمة، قال:
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب اللَّه وسنتي"
"كتاب اللَّه وعترتي" ولم يستثن.
ولو كان فيما تركه من القرآن منسوخ لقال، مثلا: إلا ما كان منه منسوخا.
ولو كان فيه المنسوخ، مع هذا التوجيه العام المطلق، لكان ذلك موقعا في الحيرة والتخبط، ولتنافي ذلك مع قول الرسول: تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
وما من آية، في القرآن يقال عنها منسوخة إلا ولها وجه من العمل، وحال من الأحوال تطبق فيها.
أما الآية ١٠٦ من سورة البقرة، والتي يستشهد بها (المشككون) والقائلون بالنسخ عموما: (مَا نَنسَخ مِنءَايَةٍ. . .) فإن (الآية) فيها بمعنى آيات الأنبياء السابقين، وما نوّعها اللَّه، من نبي إلى نبي، حتى ختمها بآيته الفذة: القرآن الكريم.
وإذا أولت على نسخ بعض آيات الشريعة فإنما هي إشارة إلى ما كان في عهده - صلى الله عليه وسلم -