والوحي يتنزل، مما يحتمل نقلهم من حال إلى حال. ويكون ذلك تمهيدا لإخبارهم عن تحويل قبلتهم من ييت المقدس إلى ييت اللَّه في مكة.
وتأمّل قوله - تَعَالَى -، بعد قوله: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ. . .) تأمل قوله بعدها: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ. . .) .
فإن هذا الاستفهام الإنكاري (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا. . .) والذي يتوجه به
القرآن إلى المسلمين فيه تحذير لهم من أن يكونوا مع نبيهم كما كان اليهود مع موسى كلما جاءهم بأمر لم يألفوه بالامتثال، بل قابلوه بالحذر والريب وبالأسئلة الكثيرة.
وتحويل القبلة إذا كان أمرا وشيك الوقوع، فإذا وقع هذا التحويل نزعت بهم نوازع كثيرة تدعوهم إلى التساؤل: فيم كنا؟ ولم هذا؟
وهل سنحول عن القبلة الجديدة أم نبقى عليها؟
فكان هذا تحذها للمسلمين من أن يقعوا فيما وقع فيه اليهود.
فكانت آية النسخ مقدمة للدفاع في قضية تحويل القبلة إلى المسجد الحرام، فكأنه يقول: إن اللَّه إذا نسخ آية: أو بدل حكما بحكم فإنما ذلك بمقتضى حكمته.
وقد نسخ اللَّه كثيرا من الشرائع السابقة، فأين شريعة نوح، مثلا، لقد أنساها اللَّه، فلم يعد أحد يذكر منها شيئا.
وأبقى ذكرها، تعليما، كما أمر إبراهيم بذبح ولده ثم
نسخه قبل وقوعه.
وعلى هذا، فإن أقرب مفهوم إلى النسخ الذي أشارت إليه الآية
(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ. .) هو نسخ التوجه إلى بيت المقدس، إلى البيت الحرام. وكلا البيتين آية من آيات اللَّه، إذ قاما بأمره.
ونخلص من هذا إلى أن آية النسخ ليست موجهة إلى نسخ آيات من القرآن الكريم أخرى، وإنما إلى نسخ قبلة وإحلال أخرى مكانها.
كما أن قوله (أَوْ نُنْسِهَا) معناه تأخير الحكم الذي دعى به المسلمون إلى التحول إلى البيت الحرام مدة بلغت