للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي كانت قد تقنعت به فسترت وجهها بذراعيها وانحنت على الأرض ترفع النصيف بيدها الأخرى، فطلب النعمان من النابغة أن يصف هذه الحادثة في قصيدة فعمل القصيدة التي مطلعها.

أمن آل مية رائح ومغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزود

إلى أن قال:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد (١)

إن التجرد من خلق الحياء مدرجة الهلاك، والسقوط من درك إلى درك

إلى أن يصبح الإنسان صفيق الوجه، وينزع منه خلق الإسلام، فيجترئ على المخالفات، ولا يبالي بالمحرمات، وهناك تلازم بين ستر ما أوجب الله ستره، وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان:

فمن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح التكشف والحياء منه.

قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) الآية [الأعراف: ٢٦] ،

قال الشاعر:

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ... تقلب عريانًا وإن كان كاسيا

وخير خصال المرء طاعة ربه ... ولا خير فيمن كان لله عاصيا

إن مسارعة آدم وحواء إلى ستر عوراتهما بأوراق الشجر دليل على أن الحياء عنصر أصيل مركوز في فطرة الإنسان، فعليه أن يهتم به، ويحافظ عليه، ويصونه من أن يثلم، ففي صيانته، وسلامته سلامة للفطرة عن أن تمسخ أو تحرف، لأن في انحرافها مسخا وتشويها لآدميته، ولأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، فمن تمسك به فقد تحصن ضد الشيطان، وأغلق


(١) تقدم ص (٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>