إن الثبات على صدق الوفاء من أفضل ما تتحلى به النساء، ولهذا (درجت المرأة المسلمة على مواتاة زوجها ومصافاته، واستخلاص نفسها له، واحتمال نبوة الطبع منه، وأكثر ما كان صفاء نفسها، وسماح خلقها وعذوبة طبعها، إذا استحال الدهر بالرجل فرزأهُ في ماله، أو نَكَبَهُ في قُوَّته، أو بدَّله بكرم المنصب، وروعة السلطان، أعرافًا من السجن، وأصفادًا من الحديد.
بل لقد كان وفاؤها له بعد عفاء أثره، وامِّحاء خبره، عديل وفائها له وهي بين أفياء نعمته، وأكناف داره، وكان إيثار الإسلام له بمَدِّ حدادها عليه أربعة أشهر وعشرة أيام، لا تتجمل في أثنائها، ولا تزدان، ولا تفارق داره إلى دار أبيها - سُنَّةً من سنن هذا الرفاء، وآية من آياته.
لذلك كانت المرأة المسلمة ترى الوفاء لزوجها بعد الموت، آثر مما تراه لأبيها وأمها وذوي قرابتها، فكانت تؤثر فضائله، وتذكر شمائله في كل موطن ومقام، بل ربما عرض ذكره وهي بين خليفته من بعده، فلا تتحرج في ذكر فضائله وتفضيله إن كانت ترى الفضل له) (١٢٧٥) .
ومن حديث ذلك أن أسماء بنت عُميس كانت لجعفر بن أبي طالب، ثم لأبي بكر من بعده، ثم خلفهما علي رضي الله عنه، فتفاخر مرة ولداها