من المناسب قبل أن نشرع في سرد نُقُول علماء المذاهب الأربعة المتبوعة- رحمهم الله - أن ننبه إلى أن واجب المسلم أن يأخذ بالدليل مع وافر الحرمة والتقدير لأئمة الفقه والحديث، في القديم والحديث، ولا لوم في الانتساب المذهبي المجرد من العصبية، هذا هو المذهب الحق، والقول الصدق، وله مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة أقوى، بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام، فإذا لاح له ما يوافق هواه عمل به من أي مذهب كان، محتجًّا بأن الخلاف في الفروع يتسامح فيه على الإطلاق، ومتجاهلًا أنه:
ليس كل خلاف جاء معتبرا ... إلا خلاف له حظ من النظر
ونظرية "جواز التعبد بالخلاف" التي يتبناها في زماننا عوام فسدت فطرتهم بفعل التربية المعوجة ماِ هي إلا صدى لقول سلفهم: "من قلد عالمًا لقي الله سالما"، مع فارق وهو أن الأولين كانوا يلزمون مذهبًا واحدَا لا يحيدون عنه، أما هؤلاء فقد تركوا الحبل على الغارب، وأطلقوا لأهوائهم العِنان حتى تظفر بمرادها في زلة عالم، أو رخصة متكلفة، أو قول شاذ ملفق دون أي اعتبار لمخالفة العالم غير المعصوم لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)) .
لقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دواءَ داءِ الفرقة والاختلاف في قوله: