* وقال الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله رحمة واسعة:
"وأما قوله تعالى: (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) فقد جعلت البيانات المختلفة في كتب التفسير مفهوم هذه الآية مغلقا إلى حد عظيم، وإلا فإن هذه الآية واضحة جدا لا خفاء فيها ولا إبهام، فإذا قيل في الجملة الأولى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أي: لا يظهرن محاسن ملابسهن وحليهن ووجوههن وأيديهن وسائر أعضاء أجسادهن، استثنى من هذا الحكم العام بكلمة (إلا) في جملة (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: ما كان ظاهرا لا يمكن إخفاؤه أو هو ظهر بدون قصد الإِظهار من هذه الزينة، وهذه الجملة تدل على أن النساء لا يجوز لهن أن يتعمدن إظهار هذه الزينة، غير أن ما ظهر منها بدون قصد منهن- كأن يخف الرداء لهبوب الريح وتنكشف بعض الزينة مثلا - أو ما كان ظاهرا بنفسه لا يمكن إخفاؤه، كالرداء التي تجلل به النساء ملابسهن، لأنه لا يمكن إخفاؤه وهو مما يستجلب النظر لكونه على بدن المرأة على كل حال- فلا مؤاخذة عليه من الله تعالى.
وهذا هو المعنى الذي بينه عبد الله بن مسعود، والحسن البصري، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي لهذه الآية، وعلى العكس من ذلك قال غيرهم من المفسرين: إن معنى مَا ظَهَرَ مِنهَا ما يظهره الإنسان على العادة الجارية، ثم هم يدخلون فيه وجه المرأة وكفيها بكل ما عليها من الزينة، أي أنه يصح عندهم أن تزين المرأة وجهها بالكحل والمسحق والصبغ ويديها بالحناء والخاتم والحلق والأسورة ثم تمشي في الناس كاشفة وجهها وكفيها وهذا المعنى للآية مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
وتلامذته، وإليه ذهبت طائفة كبيرة من فقهاء الحنفية.
وأما نحن فنكاد نعجز عن أن نفهم بأي قاعدة من قواعد اللغة يجوز أن يكون معنى (مَا ظَهَرَ) : "ما يظهره الإنسانُ" فإن الفرق بين "أن يظهر الشيء بنفسه" و"أن يظهره الإنسان بقصده" واضح لا يكاد يخفى على