للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي للإنسان- بحكم هذه الآية- أن يتذلل لوالديه تذلل الرعية للأمير، والعبيد للسادة، وقد ضرب خفض الجناح ونصبه مثلًا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده.

[ثم أمر تعالى بعد القول الكريم بأن يخفض لهما جناح الذل من القول بأن لا يُكَلَّما إلا مع الاستكانة والذل والخضوع، وإظهار ذلك لهما، واحتمال ما يصدر منهما، ويريهما أنه في غاية التقصير في حقهما وبرهما، وأنه من أجل ذلك ذليل حقير، ولا يزال على نحو ذلك إلى أن ينثلج خاطرهما، ويرد قلبهما عليه، فينعطفا عليه بالرضا والدعاء، ومنْ ثم طلب منه بعد ذلك أن يدعو لهما، لأن ما سبق يقتضي دعاءهما له كما تقرر، فليكافئهما إن فُرِضَتْ مساواة، وإلا فشتان ما بين المرتبتين (٣٤٦) ، وكيف تُتَوَهَّمُ المساواة، وقد كانا يحملان أذَاكَ وَكَلَّكَ، وعظيم المشقة في تربيتك، وغاية الإحسان إليك، راجين حياتك، مؤملين سعادتك، وأنت إن حملت شيئًا من أذاهما رجوت موتهما، وسئمت من مصاحبتهما، ولكون الأم أحمل لذلك وأصبر عليه مع أن عناءها أكثر وشفقتها أعظم بما قاسته من حمل وطلق وولادة ورضاع وسهر ليل، وتلطخ بالقذر والنجس، وتجنُّبٍ للنظافة والترفه، حَض النبي صلى الله عليه وسلم على برها ثلاث مرات، وعلى بر الأب مرة واحدة كما في الحديث الصحيح] (٣٤٧) .

تنبيه:

لا يختص بر الوالدين بكونهما مسلِمَيْن، بل يبرهما وإن كانا كافرين، ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد، قال تعالى: (لا ينهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دِياركُم أن تبروهم)


(٣٤٦) انظر: " فضل الله الصمد " (١/٤١) .
(٣٤٧) "الزواجر" (٢/٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>