وما أحسن قول بعضهم، إغراءً على البر، وتحذيرًا عن العقوق ووباله، وإعلامَا بما يدحض العاق إلى حضيض سفاله، ويحطه عن كماله: (أيها المضيع لأوكد الحقوق، المعتاض عن البر بالعقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عما بين يديه، بر الوالدين عليك دَين، وأنت تتعاطاه باتباع الشين، تطلب الجنة بزعمك، وهى تحت أقدام أمك، حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج، وكابدت عند وضعك ما يذيب المهج، وأرضعتك من ثديها لبنًا، وأطارت لأجلك وَسَنًا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرتك على نفسها بالغِذا، وصيَّرت حِجرها لك مهدا، وأنالتك إحسانا ورفدا، فإن أصابك مرض أو شكاية، أظهرت من الأسف فوق النهاية، وأطالت الحزن والنحيب، وبذلت مالها للطبيب، ولو خُيِّرت بين حياتك وموتها، لآثرت حياتك بأعلى صوتها، هذا وكم عاملتها بسوء الخلق مرارًا، فدعت لك بالتوفيق سرا وجهارا، فلما احتاجت عند الكبر إليك، جعلتها من أهون الأشياء عليك، فشبعتَ وهى جائعة، ورويت وهي ضائعة، وقدمت عليها أهلك وأولادك في الإحسان، وقابلت أياديها بالنسيان، وصعب لديك أمرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، وهجرتها وما لها سواك نصير، هذا، ومولاك قد نهاك عن التأفيف، وعاتبك في حقها بعتاب لطيف، ستعاقب في دنياك بعقوق البنين، وفي أخراك بالبعد من رب العالمين، يناديك بلسان التوبيخ والتهديد (ذلك بما