وعندما كان الرجل في سابق الأيام مسيطرًا على البيت، كانت شدته وصلابته تخففان من لين الوالدة، وتكفكفان من تدليلها الأولاد.. أما بعد أن استنوق الجمل في كثير من الأوساط، وأصبح الرجل في بيوت هذه الأوساط لا مهمة له إلا القيام بالخدمات، وجلب الأغراض والحاجيات، ودفع الفلوس والنفقات، ولم يعد يملك من أمر بيته إلا اليسير التافه، كان هذا الجيل المائع المنهار.
٥- الشغل المتواصل:
أصبح ربُّ الأسرة - في معظم الأحيان - عاجزًا عن أن يجد الوقت الذي يجتمع فيه بنفسه أو بأفراد أسرته يوجههم ويحدثهم ويستمع إليهم، حتى إن زوجته لا يتاح لها أن تجلس معه وتتفاهم معه على الخطة الرشيدة التي يجب أن يسير بموجبها أفراد الأسرة، ففي الصباح يسارع إلى عمله الدنيوي، ولا يعود إلا لتناول طعام الغداء وأخذ قسط من الراحة تمنع خلاله الحركات والهمسات ولا يعود في المساء إلا في ساعة متأخرة من الليل ليجد أهل البيت نيامًا، وإذا كان هذا الوضع مستنكرًا صدوره من عامة الناس فإنه من المتدينين أشد، واللوم لهم أكثر؛ ذلك لأن هذا الأخ المتدين سيجد نفسه - بعد مدة - في واد، وزوجته وأولاده في وادٍ آخر، وسيندم ولات ساعة مَنْدم، ومن المؤسف أن هذا الشغل لم يقتصر على الرجل بل شمل في بعض الأسر المرأة التي تترك بيتها سحابة النهار وتكل تربية أبنائها وإعداد بيتها للخادمة.. فيكون من ذلك الضياع التام.
والشغل متنوع، وأكثره في الدنيا والكسب، غير أن هناك نوعًا غريبًا جدا من أنواع الشغل، وهو ما يكون للدعوة وإصلاح الناس ... وذلك خطأ في تصور الدعوة والعمل فيها، والمرء مطالب بأن يصلح أهله أشد المطالبة؛ يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا