أجل! حدث هذا في أعقاب الصحوة الإسلامية القائمة على الأصالة، والاقتباس من منابع ديننا الحنيف الذي حملت رسالته، وحفظت أمانتَه هذه الأمةُ طيلة اثنى عشر قرنا من الزمان- قبل طروء الغزو الفكري- فكان أن امتزجت به مشاعرها، وجرت في سبيله دماؤها، وأصبح هو حياتها وفكرها، ومبدأها ومعادها، ونبض قلوبها.
لقد تتابعت الحملات العسكرية ثم الفكرية للقضاء على هذا الدين وأهله، وخُيل إلى أعداء الإسلام أن الأمة مجتمعة قد استجابت لجهودهم، وأزمعت أن تُوَدعِّ الإسلام نهائيُّا إلى غير رجعة.
وإذا بالطائفة الظاهرة المنصورة من علماء الأمة الربانيين يتصدَّوْنَ عن وَعي واقتدار في كل عصر ومِصر لأعداء الإسلام، ويبشرون الذين تسرب اليأس إلى قلوبهم بقوله تعالى:(وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: ٨٧] )
ويوبخون أعداء الله بقوله جل وعز:(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا)[الكهف: ١٠٢] . وإذا بشباب في ريعان الصبا، وفتياتٍ في عمر الورود ينسابون من كل حدب وصوب، ينضمون إلى ركب الإيمان، ينادون بالعودة إلى كتاب الله وتحكيم شرعه، حاملين أنفسَهم وأنفاسَهم وأموالهم وأوقاتهم وزهرات شبابهم على أكفهم، باذلين ذلك كله في سبيل إعلاء كلمة الله، متحملين العذاب، والاضطهاد، والتشريد، والتنكيل، واثقين بوعد الله
موقنين أن الشهداء والأسرى والمعذبين معالم على طريق النصر والتمكين.