للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ، كَمَا نَعْلَمُ (١) أَنَّهُ قَادِرٌ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ، وَنَعْلَمُ الذَّاتَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِصِفَاتِهَا، فَهُوَ غَيْرُهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ. وَقَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ مَعَانٍ هِيَ أَغْيَارٌ (٢) بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِلَّا فَكَوْنُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَيْسَ هُوَ كَوْنُهُ عَالِمًا، وَكَوْنُهُ عَالِمًا لَيْسَ هُوَ (٣) كَوْنَهُ حَيًّا، وَكَوْنُهُ حَيًّا لَيْسَ هُوَ (٤) كَوْنَهُ قَادِرًا، وَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْأُخْرَى، وَجَعَلَ الصِّفَاتِ كُلَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفُ، فَقَدِ انْتَهَى فِي السَّفْسَطَةِ إِلَى الْغَايَةِ، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا كَمَنْ قَالَ: السَّوَادُ هُوَ الْبَيَاضُ، وَالسَّوَادُ وَالْبَيَاضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ.

ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَفَوُا الْمَعَانِيَ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا كُلُّهُمْ مُتَنَاقِضُونَ يَجْمَعُونَ فِي قَوْلِهِمْ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَقَدْ جَعَلُوا هَذَا أَسَاسَ التَّعْطِيلِ وَالتَّكْذِيبِ بِمَا عُلِمَ بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ.

فَالَّذِينَ يَنْفُونَ عِلْمَهُ بِالْأَشْيَاءِ يَقُولُونَ: لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكَثُّرُ (٥) . وَالَّذِينَ يَنْفُونَ عِلْمَهُ بِالْجُزَئِيَّاتِ يَقُولُونَ: لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّغَيُّرُ، فَيَذْكُرُونَ لَفْظَ " التَّكَثُّرِ " وَ " التَّغَيُّرِ " وَهُمَا لَفْظَانِ مُجْمَلَانِ: يَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ تَتَكَثَّرُ الْآلِهَةُ، أَوْ أَنَّ (٦) الرَّبَّ يَتَغَيَّرُ وَيَسْتَحِيلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، كَمَا يَتَغَيَّرُ الْإِنْسَانُ إِمَّا بِمَرَضٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ، وَكَمَا تَتَغَيَّرُ الشَّمْسُ إِذَا اصْفَرَّ لَوْنُهَا، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ عِنْدَهُمْ (٧)


(١) ع: يُعْلَمُ.
(٢) ب، أ: أَعْيَانٌ.
(٣) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(٤) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .
(٥) ع: التَّكْثِيرُ.
(٦) ب، أ: وَأَنَّ.
(٧) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

<<  <  ج: ص:  >  >>