للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتْ مُتَحَرِّكَةً عَلَى غَيْرِ انْتِظَامٍ فَاتَّفَقَ اجْتِمَاعُهَا، وَانْتِظَامُهَا، فَحَدَثَ هَذَا الْعَالَمُ.

[الرد على ديموقريطس وأبو بكر الرازي]

وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَيَقُولُونَ: إِنَّ النَّفْسَ عَشِقَتِ الْهَيُولِي، فَعَجَزَ الرَّبُّ عَنْ تَخْلِيصِهَا مِنَ الْهَيُولِي حَتَّى تَذَوقَ وَبَالَ اجْتِمَاعِهَا بِالْهَيُولِي، وَهُمْ قَالُوا هَذَا فِرَارًا مِنْ حُدُوثِ حَادِثٍ بِلَا سَبَبٍ، وَقَدْ وَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ، وَهُوَ حُدُوثُ مَحَبَّةِ النَّفْسِ لِلْهَيُولِي، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْمُوجِبُ لِذَلِكَ؟ فَقَدْ لَزِمَهُمْ حُدُوثُ حَادِثٍ بِلَا سَبَبٍ، وَلَزِمَهُمْ مَا هُوَ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ صُدُورِهَا عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْقَوْلُ بِقُدَمَاءَ مَعَهُ.

فَإِنْ قَالُوا بِوُجُوبِ (١) وُجُودِهَا لَزِمَ كَوْنُ وَاجِبِ الْوُجُودِ مُسْتَحِيلًا مَوْصُوفًا بِمَا يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ وَنَقْصَهُ وَإِمْكَانَهُ.

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِأَنْفُسِهَا، بَلْ بِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لَهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَالْعِلَّةُ الْقَدِيمَةُ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَغَيُّرُ (٢) مَعْلُولِهَا، وَاسْتِحَالَتُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ بِدُونِ فِعْلٍ مِنْهَا، وَاسْتِحَالَةُ (٣) الْمَعْلُولِ اللَّازِمِ بِدُونِ تَغَيُّرٍ فِي الْعِلَّةِ مُحَالٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَعْلُولًا لَهَا، وَإِنْ جَوَّزُوا ذَلِكَ، فَلْيُجَوِّزُوا كَوْنَ الْعَالَمِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ، وَهُوَ مَعَ هَذَا (٤) يَنْتَقِضُ، وَتَنْشَقُّ السَّمَاءُ، وَتَنْفَطِرُ، وَتَقُومُ الْقِيَامَةُ بِدُونِ فِعْلٍ مِنَ الرَّبِّ وَلَا حُدُوثِ شَيْءٍ مِنْهُ أَصْلًا. بَلْ بِمُجَرَّدِ حُدُوثِ حَادِثٍ فِي الْعَالَمِ بِلَا مُحْدَثٍ.


(١) أ، ب: وَإِنْ قَالُوا: لَوْ وَجَبَ.
(٢) ن (فَقَطْ) : نَفْسٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(٣) ن (فَقَطْ) : وَاسْتَحَالَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٤) ب (فَقَطْ) : وَمَعَ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>