للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْدُومًا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ قَالَ: عَدَمُ مُرَجِّحِهِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ، وَلَكِنْ يُقَالُ: هَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِهِ لَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْمُوجِبُ لِعَدَمِهِ، وَلَا يَجِبُ عَدَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ عَدَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا عِلَّةَ لَهُ، فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْلُولِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْعِلَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ عِلَّةً لَهُ، وَالْمَلْزُومُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عِلَّةً] (١) ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُرَجِّحَ التَّامَّ لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ وُجُودَ الْمُمْكِنِ لَكَانَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ مَعَ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ جَائِزًا لَا وَاجِبًا وَلَا مُمْتَنِعًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُمْكِنًا، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُرَجِّحٍ ; لِأَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ.

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُرَجِّحٌ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ امْتَنَعَ وُجُودُهُ، وَمَا دَامَ وُجُودُهُ مُمْكِنًا جَائِزًا غَيْرَ لَازِمٍ لَا يُوجَدُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مَعَ مُوَافَقَةِ أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ لَهُمْ (٢) ، وَهَذَا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ.

[القدرية التامة والإرادة الجازمة تقتضي وجود الفعل]

وَالْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ تُخَالِفُ فِي هَذَا، وَتَزْعُمُ أَنَّ الْقَادِرَ يُمْكِنُهُ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ بِدُونِ مَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَادَّعَوْا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَادِرُ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَا قَادِرًا قَالُوا: وَالْقَادِرُ الْمُخْتَارُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَمَتَى قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَعَ لُزُومِ أَنْ يَفْعَلَ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا بَلْ مَجْبُورًا.

فَقَالَ لَهُمُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَغَيْرِهِمْ (٣) : بَلْ هَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّ


(١) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٢) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(٣) أ، ب: وَغَيْرِ الْمِلَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>