للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَادِرَ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لَيْسَ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ الْفِعْلَ مَشِيئَةً جَازِمَةً، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ قُدْرَةً تَامَّةً يَبْقَى (١) الْفِعْلُ مُمْكِنًا جَائِزًا لَا لَازِمًا وَاجِبًا وَلَا مُمْتَنِعًا مُحَالًا.

بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ إِذَا أَرَادَ الْفِعْلَ إِرَادَةً جَازِمَةً، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ قُدْرَةً تَامَّةً لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَصَارَ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ لَا بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا شَاءَ (٢) سُبْحَانَهُ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا شَاءَ شَيْئًا حَصَلَ مُرَادًا لَهُ، وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ (٣) وُجُودُهُ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُرِدْهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَمْ يَحْصُلِ الْمُقْتَضَى التَّامُّ لِوُجُودِهِ، فَلَا يَجُوزُ وُجُودُهُ.

قَالُوا: وَمَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ يَمْتَنِعُ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عَدَمُ الْفِعْلِ إِلَّا لِعَدَمِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ الْإِرَادَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ، فَإِنَّ فِعْلَ الْمُخْتَارِ لَا يَتَوَقَّفُ إِلَّا عَلَى قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَادِرًا، وَلَا يُرِيدُ الْفِعْلَ، فَلَا يَفْعَلُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مُرِيدًا لِلْفِعْلِ لَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ، فَلَا يَفْعَلُهُ، أَمَّا (٤) مَعَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْفِعْلُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَالْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ هِيَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ لِلْفِعْلِ الْمُمْكِنِ، فَمَعَ وُجُودِهِمَا يَجِبُ وُجُودُ ذَلِكَ الْفِعْلِ.

وَالرَّبُّ تَعَالَى قَادِرٌ مُخْتَارٌ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ لَا مُكْرِهَ لَهُ، وَلَيْسَ هُوَ مُوجِبًا


(١) ب: فَبَقِيَ ; أ: تُنْفَى.
(٢) أ، ب: وَمَا شَاءَهُ.
(٣) أ، ب: فَلَزِمَ.
(٤) ن (فَقَطْ) إِلَّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>