للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لفظ الحيز]

[وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْحَيِّزِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَعْنَى مَوْجُودٍ وَمَعْنَى مَعْدُومٍ. فَإِذَا قَالُوا: كُلُّ جِسْمٍ فِي حَيِّزٍ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْحَيِّزِ أَمْرًا عَدَمِيًّا، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ.

وَالْحَيِّزُ فِي اللُّغَةِ هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يَنْحَازُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: ١٦] .

وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِالْمُتَحَيِّزِ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ ; وَلِهَذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُونَ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ: إِمَّا مُتَحَيِّزٌ وَإِمَّا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: بَلْ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ إِمَّا مُتَحَيِّزٌ وَإِمَّا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ وَيُثْبِتُونَ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ مِنْ إِثْبَاتِ الْمُجَرَّدَاتِ الْمُفَارَقَاتِ الَّتِي لَا يُشَارُ إِلَيْهَا، بَلْ هِيَ مَعْقُولَاتٌ مُجَرَّدَةٌ، إِنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.

وَمَا يَذْكُرُهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَالرَّازِيُّ وَنَحْوُهُمَا مِنْ أَنَّ مُتَكَلِّمِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُقِيمُوا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ هَذِهِ الْمُجَرَّدَاتِ لَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ كُتُبُهُمْ مَشْحُونَةٌ بِمَا يُبَيِّنُ انْتِفَاءَهَا (١) كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَالرَّازِيُّ أَوْرَدَ فِي " مُحَصِّلِهِ " سُؤَالًا عَلَى الْحَيِّزِ فَقَالَ (٢) : " أَمَّا الْأَكْوَانُ


(١) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) نَقَلَ مُسْتَجِي زَادَهْ الْعِبَارَةَ الَّتِي أَوَّلُهَا: " وَمَا يَذْكُرُهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. . " إِلَى كَلِمَةِ " انْتِفَاءِهَا " ثُمَّ كَتَبَ التَّعْلِيقَ التَّالِي: " قُلْتُ: وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ مِمَّنْ يُرَوِّجُ هَذَا الْقَوْلَ وَيُقِيمُ بَرَاهِينَ عَلَى تَحَقُّقِ الْمُجَرَّدَاتِ، حَتَّى ادَّعَى فِي بَعْضٍ مِنْهَا الضَّرُورَةَ وَالْبَدَاهَةَ، وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَطْلَبَ نَظَرِيٌّ وَمَحَلُّ نِزَاعٍ بَيْنَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَالْفَلَاسِفَةِ. وَالْفَلَاسِفَةُ أَيْضًا يَعْتَرِفُونَ بِنَظَرِيَّةِ الْمَطْلَبِ، وَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُجَرَّدَاتِ ".
(٢) النَّصُّ التَّالِي مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِهِ " مُحَصِّلِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ " ص [٠ - ٩] ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>