للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ حَكَى عَنْ مِثْلِ أَرِسْطُو أَوْ جَالِينُوسَ أَوْ غَيْرِهِمَا قَوْلًا فِي الطَّبِيعِيَّاتِ (١) ظَاهِرَ الْبُطْلَانِ، عُلِمَ أَنَّهُ غَلِطَ فِي النَّقْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ عَلَيْهِ.

بَلْ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيُّ مَعَ إِلْحَادِهِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ، وَنُصْرَتِهِ لِقَوْلِ دِيمُقْرَاطِيسَ وَالْحَرْنَانِيِّينَ (٢) الْقَائِلِينَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ - مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَضْعَفِ أَقْوَالِ الْعَالِمِ وَفِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَشَرْحِ الْأَصْبَهَانِيَّةِ وَالْكَلَامِ عَلَى مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّهَا قُوًى نَفْسَانِيَّةٌ الْمُسَمَّاةُ بِالصَّفَدِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَالرَّجُلُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالطِّبِّ (٣) حَتَّى قِيلَ لَهُ: جَالِينُوسُ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ ذَكَرَ عَنْهُ فِي الطِّبِّ قَوْلًا يَظْهَرُ فَسَادُهُ لِمُبْتَدِئِ الْأَطِبَّاءِ، كَانَ غَالِطًا عَلَيْهِ.


(١) فِي الْأَصْلِ: فِي الطَّبِيعَاتِ.
(٢) فِي الْأَصْلِ: حَرْنَانِينَ.
(٣) فِي هَامِشِ (ع) لَخَّصَ مُسْتَجِي زَادَهْ كَلَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّازِيِّ حَتَّى هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ كَتَبَ التَّعْلِيقَ التَّالِيَ: " قُلْتُ: وَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى تَأْلِيفٍ لِابْنِ الْخَطِيبِ الْمُشْتَهِرِ بِالْإِمَامِ الرَّازِيِّ يُقَالُ لَهُ " الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ " أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ دَلِيلٌ يَدُلُّ بِصَرِيحِهِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ، ثُمَّ أَخَذَ يُعَدِّدُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ مَظِنَّةُ ذَلِكَ - أَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ - فَرَكِبَ عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ عَلَى نَفْيِ الدَّلَالَةِ فِي تِلْكَ الْمَظَانِّ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ أَيْضًا دَلِيلٌ يَدُلُّ بِصَرِيحِهِ عَلَى ذَلِكَ فَذَهَبَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى قَوْلِ دِيمُقْرَاطِيسَ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَجْزَاءِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ أَجْزَاءُ الْعَالَمِ، فَالْعَالَمُ قَدِيمٌ بِذَوَاتِهَا وَحَادِثٌ بِصِفَاتِهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِقِدَمِ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ مُخَالِفٌ لِلضَّرُورِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِينَ وَإِنَّمَا ذَهَبَ (إِلَيْهِ) طَوَائِفُ ثَلَاثٌ: الْبَاطِنِيَّةُ، وَمَنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشَّائِينَ، وَمَنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ دِيمُقْرَاطِيسِيَّةٍ - وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَقَدْ كَتَبْتُ فِي هَذَا الْبَابِ رِسَالَةً بَيَّنْتُ فِيهَا فَسَادَ قَوْلِ ابْنِ الْخَطِيبِ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِفِرَقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ كَانَ الْمَشْهُورُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الرَّازِيَّ، ثُمَّ اطَّلَعْتُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْخَطِيبِ أَيْضًا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ، حَتَّى ادَّعَى أَنَّ مَنْ نَفَى ذَلِكَ - أَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ - أَوْ تَرَدَّدَ وَتَذَبْذَبَ فِيهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَلَعَلَّ الشَّارِحَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قُدِّسَ سِرُّهُ - لَمْ يَطَّلِعْ (عَلَى) هَذَا الْقَوْلِ مِنِ ابْنِ الْخَطِيبِ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوِ اطَّلَعَ لَمْ يَقْصُرْ (فِي الْأَصْلِ: يَقْتَصِرْ) نُصْرَةَ مَذْهَبِ دِيمُقَرَاطِيسَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ الرَّازِيِّ، بَلْ ذَكَرَ مَعَهُ أَيْضًا ابْنَ الْخَطِيبِ الَّذِي اشْتُهِرَ عِنْدَ النَّاسِ بِالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ، وَأَلَّفَ تَفْسِيرًا يُقَالُ لَهُ " التَّفْسِيرُ الْكَبِيرُ " وَفِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ يَخَافُ مِنَ الْكُفْرِ، لَكِنَّ قَوْمَهُ أَهَالِيَ الرَّيِّ شَدِيدُو الِاعْتِقَادِ فِيهِ (لَكِنْ. . إِلَخْ غَيْرُ وَاضِحَةٍ بِالْأَصْلِ) فَحَمَلُوا كَلَامَهُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ كَأَنَّ جِبْرَئِيلَ أَوْحَى إِلَيْهِ لِعِظَمَةِ الرَّجُلِ عِنْدَهُمْ، مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ بَعِيدٌ عَنْ صِنَاعَةِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِهِ وَقَوَاعِدِهِ، مَعَ أَنَّ التَّفْسِيرَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْحَدِيثِ، لَا بِالْفَلْسَفَةِ. وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَلْسَفَةُ وَالْفَلْسَفِيَّاتُ، فَأَرَادَ تَطْبِيقَ الْقُرْآنِ عَلَى قَوَاعِدِ الْفَلْسَفَةِ، مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَعَامَّةَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ لِإِبْطَالِ أُصُولِ الْفَلْسَفَةِ - سِيَّمَا فَلْسَفَةِ الْيُونَانِيِّينَ (الَّذِينَ) يُقَالُ لَهُمُ الْمَشَّاءُونَ (فَقَوْلُهُمْ) مَبْنِيٌّ عَلَى إِبْطَالِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ قِدَمِهِ، وَقَدْ خَالَفَ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ أَصُولُ غَالِبِهِمْ لَا تَأْبَى عَنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>