للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْضَةٌ (١) . وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهَا تُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ (٢) .

وَأَصْلُ غَلَطِ هَؤُلَاءِ شَيْئَانِ: إِمَّا نَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْغُلُوُّ فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَإِمَّا ظَنُّ ثُبُوتِ الْكُلِّيَّاتِ الْمُشْتَرِكَةِ فِي الْخَارِجِ.

فَالْأَوَّلُ هُوَ مَأْخَذُ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ. قَالُوا: إِذَا قُلْنَا عَلِيمٌ يَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ، وَقَدِيرٌ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَةٍ لَزِمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ، وَهَذَا مَأْخَذُ ابْنِ حَزْمٍ، فَإِنَّهُ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ (٣) مَعَ تَعْظِيمِهِ لِلْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ: فِي ذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

وَغَلَطُهُ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَخَذَ أَشْيَاءَ (٤) مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ خَطَأَهُمْ (٥) ، وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مَتَّى التُّرْجُمَانِ (٦) . وَكَذَلِكَ قَالُوا: إِذَا قُلْنَا: مَوْجُودٌ وَمَوْجُودٌ، وَحَيٌّ وَحَيٌّ لَزِمَ التَّشْبِيهُ، فَهَذَا أَصْلُ غَلَطِ هَؤُلَاءِ.


(١) يَقُولُ ابْنُ حَزْمٍ (الْفِصَلَ ٢/٢٩٦) : " إِنَّنَا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا قَدِيرٌ عَالِمٌ - إِذَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ اللَّهَ تَعَالَى - إِلَّا مَا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا اللَّهُ فَقَطْ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ لَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ صِفَةٍ أَصْلًا، لَكِنْ إِذَا قُلْنَا: اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَيَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنَّ هَاهُنَا لَهُ تَعَالَى مَعْلُومَاتٌ، وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّ لَهُ عِلْمًا هُوَ غَيْرُهُ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي: يَقْدِرُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ ".
(٢) ب، أ: أَنَّهَا تُقَالُ. . إِلَخْ، وَالْعِبَارَةُ فِي (ع) مُضْطَرِبَةٌ.
(٣) انْظُرِ الْفِصَلَ ٢/٢٨٣ وَمَا بَعْدَهَا.
(٤) ب، أ، ن، م: شَيْئًا.
(٥) ب: وَلَمْ يَتَّفِقْ مَنْ بَيَّنَ لَهُ خَطَأَهُمْ ; أ، م: وَلَمْ يَتَّفِقْ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ خَطَأَهُمْ ; ن: وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ ; ع: وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ خَطَاوَهُمْ.
(٦) ب: وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ الْأُسْتَاذُ عَنْ مَتَّى التُّرْجُمَانِ ; أ: وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ الْإِسْنَادَ عَنْ مَتَّى التُّرْجُمَانِ ; ن، م: وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مَتَّى. وَمَتَّى التُّرْجُمَانُ هُوَ أَبُو بِشْرٍ مَتَّى بْنُ يُونُسَ (أَوِ ابْنُ يُونَانَ) الْمَنْطِقِيُّ النَّصْرَانِيُّ، نَزَلَ بَغْدَادَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ٣٢٨ وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ رِيَاسَةُ الْمَنْطِقِيِّينَ فِي عَصْرِهِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُصَنَّفَاتِهِ فِي: تَارِيخِ الْحُكَمَاءِ لِابْنِ الْقِفْطِيِّ، ص [٠ - ٩] ٢٣ ; تَارِيخِ حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ لِظَهِيرِ الدِّينِ الْبَيْهَقِيِّ، ص ٢٨ - ٢٩ ; طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ ٢/٢٢٧ ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ ص ٢٦٣ - ٢٦٤. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ مَا نَسَبَهُ هُنَا إِلَى ابْنِ حَزْمٍ، انْظُرْ مَثَلًا: الرَّدَّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ، ص ١٣١ - ١٣٢. وَيَقُولُ الدُّكْتُورِ إِحْسَان عَبَّاس (مُقَدِّمَةَ التَّقْرِيبِ لِحَدِّ الْمَنْطِقِ لِابْنِ حَزْمٍ، ص ح - ط) إِنَّ عِبَارَةَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ هَذِهِ هَدَتْهُ إِلَى بَيَانِ مَعْنَى مَا يَذْكُرُهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: " قَالَ الشَّيْخُ: هَذِهِ عِبَارَاتُ الْمُتَرْجِمِينَ وَفِيهَا تَخْلِيطٌ. . . إِلَخْ " إِذْ جَعَلَهُ كَلَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَعْتَقِدُ أَنَّ كَلِمَةَ " الشَّيْخِ " رُبَّمَا كَانَتْ تُشِيرُ إِلَى مَتَّى الْمَنْطِقِيِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا عَنْ مَتَّى فِي النُّسْخَةِ الَّتِي نُشِرَ عَنْهَا الْكِتَابُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>