للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقِيسُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فِي عَدْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ، وَبَيْنَ مَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ لَا يَجْعَلُونَ لِأَفْعَالِ (١) اللَّهِ حِكْمَةً (٢) ، وَلَا يُنَزِّهُونَهُ عَنْ ظُلْمٍ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَيْنَ مَا يُقَالُ: هُوَ عَدْلٌ وَإِحْسَانٌ، وَبَيْنَ مَا يُقَالُ هُوَ ظُلْمٌ.

وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَوِيَتْ بِهَا شَنَاعَاتُ (٣) الْقَدَرِيَّةِ، حَتَّى غَلَوْا فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، وَدِينُ اللَّهِ عَدْلٌ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَبَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَلَى اللَّوْنِ وَالطُّولِ (٤) ، كَمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ الْمُعَاقَبُ بَعْضَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ خُلِقَ فِيهِ إِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ الَّذِي فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كُلِّهِ (٥) مَخْلُوقًا، كَمَا يُعَاقِبُهُ (٦) غَيْرُهُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ كُلِّهِ مَخْلُوقًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى الْإِيمَانِ " فَهَذَا قَالَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، فَكُلُّ (٧) مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ (٨) عَاجِزًا عَنْهُ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ (٩) يَقُولُونَ لَا يُكَلَّفُ


(١) ب، أ: أَفْعَالِ.
(٢) ب (فَقَطْ) : لِحِكْمَةٍ.
(٣) ب، أ: سَاعَاتُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(٤) ب، أ: اللَّوْنِ وَالْقِصَرِ وَالطُّولِ.
(٥) ب، أ، م: وَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ.
(٦) ب، أ: كَمَا يُعَاقَبُ.
(٧) ع: وَكُلُّ.
(٨) ب، أ، ن، م: وَلَكِنْ لَا يَكُونُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
(٩) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>