للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا، فَهَذَا الْكَلَامُ الْمَحْكِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُهُ أَصَاغِرُ الْقَدَرِيَّةِ وَصِبْيَانُهُمْ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حِينِ حَدَثَتِ الْقَدَرِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَبْلَ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوقٌ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ (١) وَالْقَدَرِيَّةُ حَدَثُوا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ، بَلْ حَدَثُوا فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الْأُولَى مِنْ زَمَنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ (٢) .

[وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ كَذِبٌ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إِنَّمَا اجْتَمَعَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ سَأَلَهُ (٣) أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا اجْتَمَعَ بِهِ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ مِنْ أَقْرَانِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو حَنِيفَةَ (مِمَّنْ) (٤) يَأْخُذُ عَنْهُ مَعَ شُهْرَتِهِ بِالْعِلْمِ، فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُ مِنْ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ] (٥) ؟


(١) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ مُوسَى الْكَاظِمِ ٢/٤٦٠.
(٢) يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ ٥/٢٤٤: وَالْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ حَدَثُوا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [٠ - ٩] ٧: ثُمَّ حَدَثَ فِي زَمَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْقَدَرِيَّةِ فِي الْقَدَرِ وَالِاسْتِطَاعَةِ مِنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَغَيْلَانَ الدِّمَشْقِيِّ وَالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ. وَقَدْ خَرَجَ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ وَقُتِلَ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِينَ.
(٣) ع: مِمَّنْ يَسْأَلُهُ.
(٤) مِمَّنْ: فِي (ع) فَقَطْ.
(٥) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَهُوَ فِي (ع) ، (أ) ، (ب) ، وَفِي آخِرِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (أ) ، (ب) كَلِمَةُ انْتَهَى وَهِيَ لَيْسَتْ فِي (ع) ، وَعَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي (ع) بِتَعْلِيقٍ جَاءَ فِيهِ فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ جَعْفَرَ الصَّادِقَ لَمَّا اجْتَمَعَ بِأَبِي حَنِيفَةَ نَهَاهُ عَنِ الْقِيَاسِ، فَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُثْنِيًا عَلَيْهِ وَقَبُولًا لِهَذَا الْكَلَامِ: " ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ "، مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ وَصِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِسَنَدِهَا الْمَسْرُودَةِ عَلَى جَعْفَرٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْفُرُوعِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَمَدَارُ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ مِنَ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْخَبِيثَةِ، وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ عُظَمَاءُ الْأُمَّةِ وَكُبَرَاءُ الْمِلَّةِ عَلَى ذَمِّ الْقِيَاسِ فِي الْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ، وَالْحِكَايَةُ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا مُسْتَجِي زَادَهْ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ ٣/١٩٦ - ١٩٧ وَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلَا يَمْنَعُ إِنْ صَحَّتِ الْحِكَايَةُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَفَادَ مِنْهُ بَعْضَ الْعِلْمِ. وَانْظُرْ كِتَابَ " الْإِمَامُ الصَّادِقُ " لِمُحَمَّدٍ أَبِي زَهْرَةَ، ص \ ٢٥٢ - ٢٥٥ - ٢٩١ - ٢٩٣ ط. دَارِ الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ بِدُونِ تَارِيخٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>