للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَرِيقَةِ أَهْلِ الْمَشِيئَةِ وَالتَّفْوِيضِ فَالظُّلْمُ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ لِذَاتِهِ ; لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، أَوْ تَعَدَّى مَا حُدَّ لَهُ، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِكُلِّ حَالٍ (١) فَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يُمَثَّلُ بِالْخَلْقِ (٢) لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، بَلْ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فَمَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَمَا تَنَزَّهَ عَنْهُ مِنَ النَّقْصِ فَهُوَ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ، وَمَا كَانَ سَائِغًا لِلْقَادِرِ الْغَنِيِّ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ سَائِغًا لَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِمَّنْ يُتَضَرَّرُ مِنْهُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ (٣) ، فَإِنَّ الْعِبَادَ لَنْ يَبْلُغُوا ضُرَّهُ فَيَضُرُّوهُ وَلَنْ يَبْلُغُوا نَفْعَهُ فَيَنْفَعُوهُ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ عَادِلٌ لَيْسَ ظَالِمًا (٤) ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ ظُلْمًا مِنَ الْعَبْدِ يَكُونُ ظُلْمًا مِنَ الرَّبِّ، وَلَا مَا كَانَ قَبِيحًا مِنَ الْعَبْدِ يَكُونُ قَبِيحًا مِنَ الرَّبِّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ.

تَحْقِيقُ (٥) ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ لَلَزِمَ أَنْ يَقْبُحَ مِنْهُ أُمُورٌ فَعَلَهَا فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنِ الْعِبَادِ إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْآمِرُ وَتَوَعَّدَهُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَفْعَلُهُ (٦) بَلْ يَعْصِيهَ فَيَسْتَحِقُّ (٧) الْعِقَابَ، كَانَ (٨) ذَلِكَ مِنْهُ عَبَثًا وَقَبِيحًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ لِلْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ.


(١) أ، ب: وَهُمْ مُمْتَنِعَانِ فِي حَقِّ اللَّهِ بِكُلِّ حَالٍ.
(٢) ع: بِالْمَخْلُوقِ.
(٣) ن: وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِنْ مَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ ; م: وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِمَّا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقُبْحُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ.
(٤) ن، م، ع: لَيْسَ بِظَالِمٍ.
(٥) ن، م، ع: تَحَقُّقُ.
(٦) ن، م: فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرِهِ وَتَوَعَّدَهُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْآمِرُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَفْعَلُهُ.
(٧) أ، ب: وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ.
(٨) ن، م: لَكَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>