للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ (١) الْكُلَّابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِمُوَافَقَتِهِمُ الْمُعْتَزِلَةَ فِي الْأَصْلِ الَّذِي اضْطَرَّهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى صِحَّةِ دَلِيلِ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ، فَلَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِحُدُوثِ مَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ. ثُمَّ قَالُوا: وَمَا يَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ لَا يَخْلُو مِنْهَا.

فَإِذَا قِيلَ: الْجِسْمُ لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، فَإِنَّ الْجِسْمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا.

قَالُوا: وَالسُّكُونُ الْأَزَلِيُّ يَمْتَنِعُ زَوَالُهُ ; لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ أَزَلِيٌّ (٢) وَكُلُّ مَوْجُودٍ أَزَلِيٍّ يَمْتَنِعُ زَوَالُهُ، وَكُلُّ جِسْمٍ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ، فَإِذَا جَازَ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَهُوَ (٣) أَزَلِيٌّ وَجَبَ (٤) أَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهُ أَزَلِيَّةٌ، لِامْتِنَاعِ زَوَالِ السُّكُونِ الْأَزَلِيِّ (٥) وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهُ أَزَلِيَّةً (٦) لَزِمَ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبَارِيَ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ ; لِأَنَّهَا (٧) لَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا ; لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ، وَمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا.

وَقَدْ عَلِمُوا بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ أَنَّ الْكَلَامَ يَقُومُ بِالْمُتَكَلِّمِ، كَمَا يَقُومُ الْعِلْمُ


(١) إِنْ كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) : إِنْ.
(٢) أَزَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٣) ن: فَهُوَ.
(٤) م: لَزِمَ.
(٥) أ، ب: الْأَوَّلِ.
(٦) أ، ب: وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ.
(٧) أ: لَكِنَّهَا، ب: لِكَوْنِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>