للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَهَذِهِ الْفُتْيَا كَانَ قَدْ أَفْتَى بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بِعْكَكٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ» " (١) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. ثُمَّ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ فَاطِمَةَ أَمْرٌ لَا يَلِيقُ بِهَا، وَلَا يَحْتَجُّ بِذَلِكَ إِلَّا رَجُلٌ جَاهِلٌ يَحْسَبُ أَنَّهُ يَمْدَحُهَا وَهُوَ يَجْرَحُهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ (٢) مَا يُوجِبُ الْغَضَبَ عَلَيْهِ؛ إِذْ لَمْ يَحْكُمْ - لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا - إِلَّا بِالْحَقِّ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ. وَمَنْ طَلَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَغَضِبَ (٣) وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْحَاكِمَ، وَلَا صَاحِبَ الْحَاكِمِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يُحْمَدُ عَلَيْهِ (٤) وَلَا مِمَّا يُذَمُّ بِهِ الْحَاكِمُ، بَلْ هَذَا إِلَى أَنْ يَكُونَ جُرْحًا أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَدْحًا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَا يُحْكَى عَنْ فَاطِمَةَ


(١) لَمْ أَجِدْ هَذَا اللَّفْظَ. وَقِصَّةُ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ وَهَى حَامِلٌ وَلَمَّا وَضَعَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ وَلَكِنْ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ أَفْتَاهَا بِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْتَاهَا بِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَأَمَرَهَا بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لَهَا. وَالْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَرْقَمِ عَنْ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ - رِضَى اللَّهِ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ ٥/٨٠ (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ بَابٌ رَقْمُ ١٠) ؛ مُسْلِمٍ ٢/١١٢٢ (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ ٢/٣٣٢ (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَضَعُ) . وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ فِي " الْإِصَابَةِ " ٤/٩٦ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِسُبَيْعَةَ حِينَ أَتَتْهُ: " بَلَى وَلَوْ رَغَمَ أَنْفُ أَبِي السَّنَابِلِ ".
(٢) أ، ب، و: وَذَكَرَ.
(٣) ب (فَقَطْ) وَرَسُولِهِ فَامْتَنَعَ فَغَضِبَ. . . وَالْمَعْنَى: فَامْتَنَعَ الْحَاكِمُ فَغَضِبَ. . . الْخَ.
(٤) ن، م: مِمَّا يَحْمَدُهُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>