للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُعَاوِيَةُ أَيْضًا لَمَّا كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ الصُّحْبَةِ وَالِاتِّصَالِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَارَ أَقْوَامٌ يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا، وَيَسْتَحِلُّونَ لَعْنَتَهُ (١) وَنَحْوَ ذَلِكَ، احْتَاجَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يَذْكُرُوا مَا لَهُ مِنَ الِاتِّصَالِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُرْعَى بِذَلِكَ حَقُّ الْمُتَّصِلِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِمْ.

وَهَذَا الْقَدْرُ لَوِ اجْتَهَدَ فِيهِ الرَّجُلُ وَأَخْطَأَ، لَكَانَ خَيْرًا مِمَّنِ اجْتَهَدَ فِي بُغْضِهِمْ وَأَخْطَأَ (٢) ; فَإِنَّ بَابَ الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى بَابِ الْإِسَاءَةِ وَالِانْتِقَامِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبَهَاتِ» " (٣) . فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ.

وَكَذَلِكَ يُعْطِي الْمَجْهُولَ الَّذِي يَدَّعِي الْفَقْرَ مِنَ الصَّدَقَةِ، كَمَا «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ سَأَلَاهُ (٤) ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ. فَقَالَ: " إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» " (٥) ٢/٦.

. وَهَذَا لِأَنَّ


(١) ب (فَقَطْ) : لَعْنَهُ.
(٢) أ: لَكَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي بُغْضِهِمْ وَأَخْطَأَ ; ب: لَكَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي بُغْضِهِمْ وَيُخْطِئَ.
(٣) ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَقَالَ عَنْهُ: " أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُرْسَلًا "، وَذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ نَصُّهُ: " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَأَقِيلُوا الْكِرَامَ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ " ثُمَّ قَالَ " فِي جُزْءٍ لَهُ (يَقْصِدُ بِهِ ابْنَ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ مِصْرَ وَالْجَزِيرَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا ". وَوَافَقَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " ١/١١٧ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَضَعَّفَهُ.
(٤) وَ:. . رَجُلَيْنِ مَالَا.
(٥) الْحَدِيثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ عَنْ رَجُلَيْنِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ٢/١٥٩ (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَنْ يُعْطَى الصَّدَقَةَ وَحَدِّ الْغَنِيِّ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ ٥ ٧٥ (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَسْأَلَةِ الْقَوِيِّ الْمُكْتَسِبِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ٤/٢٢٤، ٥/٣٦٢. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ عَبْد الرَّحْمَنِ الْبَنَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " بُلُوغِ الْأَمَانِي مِنْ أَسْرَارِ الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ " ٩/٩٣، الْقَاهِرَةَ ١٣٥٧: " عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِكَسْرِ الْخَاءِ. . . . . وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ " وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

<<  <  ج: ص:  >  >>