للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْعَدْلِ لَمْ تَكُنْ مُمْتَنِعَةً، فَلَمْ يَجُزْ قِتَالُهَا. وَلَوْ كَانَتْ بَاغِيَةً، وَقَدْ أُمِرَ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ إِلَى أَنْ تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، أَيْ تَرْجِعَ، ثُمَّ قَالَ: ( «فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ» ) فَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَعْدَ قِتَالِ الْفِئَةِ [الْبَاغِيَةِ] (١) .

، كَمَا أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ إِذَا اقْتَتَلَتَا ابْتِدَاءً، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ: " تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ". وَهُوَ كَمَا قَالَتْ ; فَإِنَّهُمَا لَمَّا اقْتَتَلَتَا لَمْ يُصْلَحْ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قُوتِلَتِ الْبَاغِيَةُ، فَلَمْ تُقَاتَلْ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، ثُمَّ أُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْقِتَالِ إِلَى الْفَيْءِ، ثُمَّ الْإِصْلَاحِ، لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالٍ مُجَرَّدٍ، بَلْ قَالَ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} - وَمَا حَصَلَ قِتَالٌ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَقْدُورًا فَمَا وَقَعَ، وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ (٢) ..

وَعَجْزُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ عَنِ الْقِتَالِ الَّذِي يَقْتَضِي انْتِصَارَهُمْ كَانَ بِتَرْكِ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَذُنُوبِهِمْ، وَكَذَلِكَ التَّوَلِّي يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ مِنَ الذُّنُوبِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ طَائِفَةً بَغَتْ عَلَى طَائِفَةٍ، وَأَمْكَنَ دَفْعُ الْبَغْيِ بِلَا قِتَالٍ، لَمْ يَجُزِ الْقِتَالُ، فَلَوِ انْدَفَعَ الْبَغْيُ (٣) .

بِوَعْظٍ أَوْ فُتْيَا (٤) .

أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ لَمْ يَجُزِ


(١) الْبَاغِيَةِ: فِي (و) . وَفِي (أ) : الْفِتْنَةِ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْفِئَةِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ
(٢) قَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قُوتِلَتْ. . . لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ. الْكَلَامُ هُنَا غَيْرُ وَاضِحٍ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَحْرِيفٌ أَوْ سَقْطٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ يَجِبُ أَنْ تُقَاتَلَ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ فَيَجِبُ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ بِالْعَدْلِ، وَلَكِنْ مَا حَدَثَ فِي الْفِتْنَةِ لَمْ يُطَابِقْ أَمْرَ اللَّهِ إِذْ إِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُقَاتِلِ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ثُمَّ أَصْلَحَ بَيْنَ فِئَتِهِ وَالْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ بِالْعَدْلِ، وَلَوْ كَانَ مَا أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ غَيْرَ مُمْكِنٍ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ
(٣) ص: فَلَوِ انْدَفَعَ الْقِتَالُ
(٤) أَوْ فُتْيَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (و)

<<  <  ج: ص:  >  >>