للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ سَلَّمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، تَحْقِيقًا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (١) وَبَقِيَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ إِسْلَامُ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَامَ تِسْعٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِيُقِيمَ الْحَجَّ، وَيُنَادَى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ نُبِذَتِ الْعُهُودُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَأُجِّلُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، فَكَانَ هَذَا أَمَانًا عَامًّا لِكُلِّ مُشْرِكٍ مِنْ سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَغَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ لِقِتَالِ النَّصَارَى بِالشَّامِ، وَقَدْ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ.

وَلَوْ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا كَانَ لَكَانَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، فَكَيْفَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذَنْبٌ يَهْرُبُ لِأَجْلِهِ، أَوْ يُهْدَرُ دَمُهُ لِأَجْلِهِ؟ ! وَأَهْلُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ أُهْدِرُ دَمَهُ عَامَ الْفَتْحِ. فَهَذِهِ مَغَازِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالْوَاقِدِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ (٢) ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَكُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ كُلُّهَا تَنْطِقُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَيَذْكُرُونَ


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ١/٥٣٩ ٥٤٠.
(٢) هـ، و: مُحَمَّدِ بْنِ عَابِدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ ١٥٠ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٣٣ وَمِنْ كُتُبِهِ كِتَابُ " السِّيَرِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ٩/٢٤١ ٢٤٢ ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ ٢/٧٨ ; الْأَعْلَامِ ٧/٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>