للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَفْطِنُ لِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ حُذَّاقِ هَؤُلَاءِ (١) النُّظَّارِ - كَالْأَثِيرِ الْأَبْهَرِيِّ (٢) - فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ جَمِيعَ ذَلِكَ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِرَادَةٍ (٣) ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِإِرَادَةٍ أُخْرَى لَا إِلَى غَايَةٍ.

وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِأَنْفُسِهَا مَسْبُوقَةً (٤) بِمَادَّةٍ (٥) بَعْدَ مَادَّةٍ لَا إِلَى غَايَةٍ، وَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ حَادِثٍ قَبْلَهُ حَادِثٌ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ فِي الْأُمُورِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ مِنْ إِرَادَاتٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّ تَسَلْسُلَ الْحَوَادِثِ وَدَوَامَهَا إِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَهَذَا مُمْكِنٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَزِمَ امْتِنَاعُ قِدَمِ الْفَلَكِ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَلْزَمُ قِدَمُ الْفَلَكِ، وَلَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَى قِدَمِهِ مَعَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أُخْبِرَتْ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ [مُخَالَفَةَ] (٦) مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَأَهْلُ الْمِلَلِ وَأَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ الْقُدَمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ أَصْلًا.؟ .

إِذْ غَايَةُ مَا يَقُولُونَهُ إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ قِدَمِ نَوْعِ الْفِعْلِ لَا عَيْنِهِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ لَا يَدُلُّ (٧) عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ


(١) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .
(٢) هُوَ أَثِيرُ الدِّينِ الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الْمُفَضَّلُ الْأَبْهَرِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " هِدَايَةِ الْحِكْمَةِ " (وَهُوَ مَطْبُوعٌ) وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ ٦٦٣ هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَارِيخِ مُخْتَصِرِ الدُّوَلِ لِابْنِ الْعِبْرِيِّ، ص [٠ - ٩] ٤٥ (ط. بَيْرُوتَ، سَنَةَ ١٨٩٠) ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ بُرُوكِلْمَانَ: مَادَّةَ (الْأَبْهَرِيِّ) ; الْأَعْلَامَ ٨/٢٠٣.
(٣) ن (فَقَطْ) : إِرَادَتُهُ.
(٤) ن: مَسْبُوقَةً بِأَنْفُسِهَا.
(٥) ن، م: مَادَّةٍ.
(٦) مُخَالَفَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(٧) أ، ب: لَمْ يَدُلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>