" «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» " (١) . فَيَكُونُ عَلِيٌّ كَافِرًا لِذَلِكَ - لَمْ تَكُنْ حُجَّتُكُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِهِمْ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا صَحِيحَةٌ.
وَأَيْضًا فَيَقُولُونَ: قَتْلُ النُّفُوسِ فَسَادٌ، فَمَنْ قَتَلَ النُّفُوسَ عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُرِيدًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ. وَهَذَا حَالُ فِرْعَوْنَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} سُورَةُ الْقَصَصِ فَمَنْ أَرَادَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ. وَلَيْسَ هَذَا كَقِتَالِ الصِّدِّيقِ لِلْمُرْتَدِّينَ وَلِمَانِعِي الزَّكَاةِ ; فَإِنَّ الصِّدِّيقَ إِنَّمَا قَاتَلَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: لَا عَلَى طَاعَتِهِ. فَإِنَّ الزَّكَاةَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَا، وَعَلَى أَدَائِهَا، بِخِلَافِ مَنْ قَاتَلَ لِيُطَاعَ هُوَ. وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا: مَنْ قَالَ أَنَا أُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَلَا أُعْطِيهَا لِلْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَاتِلَهُ. وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَمَنْ يُجَوِّزُ الْقِتَالَ عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ جَوَّزَ قِتَالَ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُحْكَى هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(١) الْحَدِيثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ ١/٣١ (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ الْإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ) ; مُسْلِمٍ ١/٨١ ٨٢ (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَرْجِعُوا. . .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ٤/٣٠٥ (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ ٣/٣٢٩ (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ ٢ (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابٌ فِي حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ٧/٣١٦ ٣١٧، وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْمُسْنَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute