للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُولَئِكَ بُغَاةً مُعْتَدِينَ فَهَؤُلَاءِ مُفَرِّطُونَ مُقَصِّرُونَ، وَلِهَذَا ذَلُّوا وَعَجَزُوا وَتَفَرَّقُوا، وَلَيْسَ الْإِمَامُ مَأْمُورًا بِأَنْ يُقَاتِلَ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَالْبَحْثُ فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ مِنْ وَظِيفَةِ خَوَاصِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ فِي تَكْفِيرِهِمْ ; فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ يَعْلَمُ فَسَادَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرْبُ عَلِيٍّ حَرْبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ رَسُولِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} سُورَةُ غَافِرٍ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ - وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} سُورَةُ الصَّافَّاتِ لَوَجَبَ أَنْ يُغْلَبَ مُحَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلِ الْخَوَارِجُ لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ، وَكَانُوا مِنْ جِنْسِ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتَصَرَ عَلَيْهِمْ، كَمَا كَانَ يَنْتَصِرُ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ تُبْتَلَى فِي حُرُوبِهِمْ، فَالْعَاقِبَةُ لَهَا. فَلَوْ كَانَتْ مُحَارَبَتُهُ مُحَارَبَةً لِلرَّسُولِ، لَكَانَ الْمُنْتَصِرُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ هُوَ. وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ يَطْلُبُ مُسَالَمَةَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُهَادَنَتَهُ، وَأَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، كَمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ يَطْلُبُ (١) ذَلِكَ مِنْهُ أَوَّلَ [الْأَمْرِ] (٢) .

فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْقِتَالَ، وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا بِاجْتِهَادٍ، فَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْقِتَالِ


(١) أ، ب: كَمَا كَانَ يَطْلُبُ مُعَاوِيَةُ.
(٢) أَوَّلَ الْأَمْرِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَوَّلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>