للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَمَّا انْتَقَلَ الْأَمْرُ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ (١) تَوَلَّوْا عَلَى بِلَادِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا كَانَ قَدْ تَوَلَّى عَلَيْهِ بَنُو أُمَيَّةَ، إِلَّا بِلَادَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ الْأَنْدَلُسَ تَوَلَّى عَلَيْهِ بَنُو أُمَيَّةَ، وَبِلَادُ الْقَيْرَوَانِ كَانَتْ دَوْلَةً بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ.

فَيَزِيدُ فِي وِلَايَتِهِ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ، مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَخْلَفِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَايَعَهُ بِمَكَّةَ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ، لَمْ يَتَوَلَّ عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا أَنَّ وَلَدَ الْعَبَّاسِ لَمْ يَتَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُمْ تَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ وَمُعَاوِيَةُ تَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَتَوَلَّ عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

فَكَوْنُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ إِمَامًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ وَمَعَهُ السَّيْفُ يُوَلِّي وَيَعْزِلُ، وَيُعْطِي وَيَحْرِمُ، وَيَحْكُمُ وَيُنَفِّذُ (٢) ، وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَيُجَاهِدُ الْكُفَّارَ، وَيَقْسِمُ الْأَمْوَالَ - أَمْرٌ مَشْهُورٌ (٣) مُتَوَاتِرٌ لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ. وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ إِمَامًا وَخَلِيفَةً وَسُلْطَانًا، كَمَا أَنَّ إِمَامَ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَإِذَا رَأَيْنَا رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ كَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إِمَامٌ أَمْرًا مَشْهُودًا مَحْسُوسًا لَا يُمْكِنُ الْمُكَابَرَةُ فِيهِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا، أَوْ مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا، فَذَاكَ أَمْرٌ آخَرُ.


(١) بَنِي الْعَبَّاسِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَدِ الْعَبَّاسِ.
(٢) ص: وَيَنْفِي.
(٣) ر، ص، هـ: مَشْهُودٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>