للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا وَصَلَتِ الدِّمَاءُ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا إِلَى الرَّوْضَةِ، وَلَا كَانَ الْقَتْلُ فِي الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا الْكَعْبَةُ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَّفَهَا وَعَظَّمَهَا وَجَعَلَهَا مُحَرَّمَةً، فَلَمْ يُمَكِّنِ اللَّهُ أَحَدًا (١) مِنْ إِهَانَتِهَا لَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَلَا بَعْدَهُ، بَلْ لَمَّا قَصَدَهَا أَهْلُ الْفِيلِ عَاقَبَهُمُ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ الْمَشْهُورَةَ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ - وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ - تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ - فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [سُورَةُ الْفِيلِ: ١ - ٥] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: ٢٥] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَوْ هَمَّ رَجُلٌ بِعَدَنِ أَبْيَنَ أَنْ يُلْحِدَ فِي الْحَرَمِ لَأَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» (٢) . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا (٣) .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ [مِنْ] أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ، الَّذِينَ قَتَلُوا


(١) أ: فَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ ; ص، ب، ر، ن، م: فَلَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا.
(٢) أ، ب: الْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
(٣) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ٦/٦٥ - ٦٦ (رَقْمُ ٤٠٧١) . وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ ٧: ٧٠ وَقَالَ: " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ". وَنَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ ٥: ٥٧١ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَفِي آخِرِهِ بَعْدَ كَلَامِ شُعْبَةَ: قَالَ يَزِيدُ: " هُوَ قَدْ رَفَعَهُ "، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ " وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِهِ. قُلْتُ (الْقَائِلُ ابْنُ كَثِيرٍ) : هَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقْفُهُ أَشْبَهُ مِنْ رَفْعِهِ، وَلِهَذَا صَمَّمَ شُعْبَةُ عَلَى وَقْفِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسْبَاطٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَوْقُوفًا ". وَهَذَا تَحَكُّمٌ مِنْ شُعْبَةَ ثُمَّ مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَكَلِمَةُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَلِمَةٌ حَكِيمَةٌ، وَإِشَارَةٌ دَقِيقَةٌ يُرِيدُ أَنَّ شُعْبَةَ قَدْ حَكَى رَفْعَهُ عَنْ شَيْخِهِ، فَهُوَ قَدْ رَفَعَهُ رِوَايَةً إِنْ وَقَفَهُ رَأْيًا، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ فَتُقْبَلُ، وَنَحْنُ نَأْخُذُ عَنِ الرَّاوِي رِوَايَتَهُ، وَلَا نَتَقَيَّدُ بِرَأْيِهِ، وَأَمَّا أَنَّ غَيْرَ شُعْبَةَ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، فَلَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمَرْفُوعِ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ كَمَا قُلْنَا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>