للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى عَدَمِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْمُعْتَمَدِ. وَهَذَا الْقَوْلُ يُقَالُ لَهُ مَذْهَبُ الشُّعُوبِيَّةِ (١) ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ تَفْضِيلَ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَ كُلِّ فَرْدٍ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ، كَمَا أَنَّ تَفْضِيلَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ (٢) مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْقَرْنِ الثَّانِي.

وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِهِمْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اخْتِصَاصُ قُرَيْشٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ كَوْنُ الْإِمَامَةِ فِيهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَثَبَتَ اخْتِصَاصُ بَنِي هَاشِمٍ بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُهُمْ مِنَ الْفَيْءِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَهُمْ مَخْصُوصُونَ بِأَحْكَامٍ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ تَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلًا صَالِحًا، بَلْ كَانَ عَاصِيًا.

وَأَمَّا نَفْسُ تَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْقَرَابَةِ، وَمَدْحُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، وَكَرَامَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى - فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّسَبُ، وَإِنَّمَا


(١) قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالشُّعُوبُ فِرْقَةٌ لَا تُفَضِّلُ الْعَرَبَ عَلَى الْعَجَمِ. وَالشُّعُوبِيُّ: الَّذِي يُصَغِّرُ شَأْنَ الْعَرَبِ، وَلَا يَرَى لَهُمْ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِمْ ". وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَنِ الشُّعُوبِيَّةِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي " اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ " ١/٣٧٢ ٤٠٩، تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ نَاصِرِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَقْلِ، ط. الرِّيَاضِ، ١٤٠٤.
(٢) ب: بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ خَيْرٌ. .، أ. . بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ، ر: بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مَنْ هُوَ أَخْيَرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>