للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسْبِي. وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ، فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنُهُمْ فُضُولَ الْجَنَّةِ.» (١) . هَكَذَا رُوِيَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ غَلَطٌ قَالَ فِيهِ: " «وَأَمَّا النَّارُ فَيَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ» " (٢) وَالْبُخَارِيُّ رَوَاهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ عَلَى الصَّوَابِ لِيُبَيِّنَ غَلَطَ هَذَا الرَّاوِي، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ غَلَطٌ فِي لَفْظٍ، ذَكَرَ أَلْفَاظَ سَائِرِ الرُّوَاةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الصَّوَابُ، وَمَا عَلِمْتُ وَقَعَ فِيهِ غَلَطٌ إِلَّا


(١) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفَظُهُ: (وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا) فِي الْبُخَارِيِّ ٦/١٣٨ - ١٣٩ الْمَوْضِعُ السَّابِقُ ; مُسْلِمٍ ٤/٢١٨٦ - ٢١٨٧ الْمَوْضِعُ السَّابِقُ. وَفِي مُسْلِمٍ ٦/٢١٨٨ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (يَبْقَى مِنَ الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْقَى، ثُمَّ يُنْشِئُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا خَلْقًا مِمَّا يَشَاءُ) وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى جَاءَ فِيهَا: (وَلَا تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ) وَهِيَ فِي الْبُخَارِيِّ ٩/١١٧ الْمَوْضِعُ السَّابِقُ وَفِي مُسْلِمٍ ٤/٢١٨٨ (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) .
(٢) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي الْبُخَارِيِّ مَعَ طُولِ الْبَحْثِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا فِيهِ ٩/١٣٤ كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ: (وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا: قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلَاثًا، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ وَيَرُدُّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ) وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِلْحَدِيثِ فَتْحِ الْبَارِي ١٣/٤٣٦ - ٤٣٧: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا، وَأَمَّا النَّارُ فَيَضَعُ فِيهَا قَدَمَهُ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ خَلْقًا إِلَّا هَذَا. انْتَهَى، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ: إِنَّ هَذَا الْوَضْعَ مَقْلُوبٌ، وَجَزَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّ جَهَنَّمَ تَمْتَلِئُ مِنْ إِبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ، وَكَذَا أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ شَيْخُنَا الْبَلْقِينِيُّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) ثُمَّ قَالَ: وَحَمْلُهُ عَلَى أَحْجَارٍ تُلْقَى فِي النَّارِ أَقْرَبُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ذِي رُوحٍ يُعَذَّبُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَدِيثِ ١١/٤٣٤: جَزَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي، صَوَابُهُ: (يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ) كَمَا تَقَدَّمَ بِرَقْمِ ٤٨٥٠ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ق: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وَكَمَا فِي رَقْمِ ٧٣٨٤ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَتَبَيَّنَ مِنْهُمَا أَنَّ الرَّاوِيَ هُنَا سَبَقَ لَفْظُهُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ، وَيُسَمُّونَهُ فِي مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ الْمُنْقَلِبَ. وَوَجَدْتُ كَلَامَ ابْنِ الْقَيِّمِ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ حَادِي الْأَرْوَاحِ إِلَى بِلَادِ الْأَفْرَاحِ ص ٣٨٥ ط. الْمَدَنِيِّ ١٣٩٨

<<  <  ج: ص:  >  >>