للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضُنَا بَعْضًا. وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي اشْتَرَكُوا فِيهِ أَصْلٌ فَاسِدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَهْلٍ وَظُلْمٍ، وَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي ظُلْمِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي ظُلْمِ النَّاسِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْعَالِمَ الْعَادِلَ أَعْدَلُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ.

وَالْخَوَارِجُ تُكَفِّرُ أَهْلَ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الرَّافِضَةِ وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ فُسِّقَ. وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ يَبْتَدِعُونَ رَأْيًا، وَيُكَفِّرُونَ (١) مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَا يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ وَأَرْحَمُ بِالْخَلْقِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ ١١٠] . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ (٢) .

وَأَهْلُ السُّنَّةِ نَقَاوَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِسَاحِلِ الشَّامِ جَبَلٌ كَبِيرٌ، فِيهِ أُلُوفٌ مِنَ الرَّافِضَةِ يَسْفِكُونَ دِمَاءَ النَّاسِ، وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَقَتَلُوا خَلْقًا عَظِيمًا وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَلَمَّا انْكَسَرَ الْمُسْلِمُونَ سَنَةَ غَازَانَ (٣) ، أَخَذُوا الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ


(١) وَيُكَفِّرُونَ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ فَيُكَفِّرُونَ.
(٢) وَرَدَ هَذَا الْأَثَرُ فِي: الْبُخَارِيِّ ٦/٣٧ - ٣٨ كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، بَابُ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وَنَصُّهُ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ ٢/٧٧ ط. دَارَ الشَّعْبِ.
(٣) ن، م: فِي غَازَانَ، و: سَنَةَ قَازَانَ، أ: سَنَةَ عَازَابَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ ص ٣٢٩ ت [٠ - ٩] مَا يَلِي: سَنَةَ غَازَانَ هِيَ سَنَةُ ٦٩٩ وَغَازَانُ ٦٧٠ - ٧٠٣ هُوَ أَخُو خَدَابِنَدَاهُ ٦٨٠ - ٧١٦ الَّذِي أَلَّفَ لَهُ الرَّافِضِيُّ الْكِتَابَ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِهِ وَبِأَسْلَافِهِ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى خُطْبَةِ هَذَا الْكِتَابِ ص ١٨ وَالْوَاقِعَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ هِيَ أَنَّ دِمَشْقَ كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْحِينِ تَابِعَةً لِلْمَلِكَةِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ مَلِكُ مِصْرَ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ الَّذِي عَادَ مِنْ مَنْفَاهُ بِالْكَرْكَ بَعْدَ قَتْلِ الْمَنْصُورِ لَاجِينَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ ٦٩٨ وَكَانَ نَائِبُ السُّلْطَانِ الْمِصْرِيِّ فِي دِمَشْقَ وَبِلَادِ الشَّامِ آقُوشَ الْأَفْرَمَ بَعْدَ أَنْ فَرَّ سَلَفُهُ سَيْفُ الدِّينِ قَبْجَقُ الْمَنْصُورِيُّ إِلَى إِيرَانَ وَالْتَحَقَ بِمَلِكِهَا غَازَانَ الْمَذْكُورِ، فَوَرَدَتِ الْأَخْبَارُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ٦٩٨ بِزَحْفِ غَازَانَ مِنْ إِيرَانَ نَحْوَ حَلَبَ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ فَخَرَجَ مِنْ مِصْرَ إِلَى غَزَّةَ فِي مُحَرَّمٍ ٦٩٩ وَلَبِثَ فِيهَا شَهْرَيْنِ يَسْتَعِدُّ وَيُرَاقِبُ حَرَكَاتِ غَازَانَ، وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ٦٩٩ وَصَلَ النَّاصِرُ إِلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ الْوَقْتُ شِتَاءَ دِيسِمْبِرَ ١٢١٩ م فَتَمَوَّنَ مِنْ دِمَشْقَ بِالرِّجَالِ وَالْأَمْوَالِ وَالْعَتَادِ حَتَّى اقْتَرَضُوا أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ، وَزَحَفَ إِلَى الشَّمَالِ، فَالْتَقَى بِالتَّتَارِ فِي وَادِي سَلَمْيَةَ يَوْمَ ٢٧ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ٦٩٩ وَكَانَتْ مَلْحَمَةً انْكَسَرَتْ فِيهَا جُيُوشُ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، وَوَاصَلَ غَازَانُ زَحْفَهُ فَاسْتَوْلَى عَلَى بَعْلَبَكَّ وَالْبِقَاعِ، فَنَزَحَ أَعْيَانُ دِمَشْقَ إِلَى مِصْرَ يَتَّبِعُونَ الْمَلِكَ النَّاصِرَ فِي انْسِحَابِهِ، وَبَقِيَتْ دِمَشْقُ بِلَا رُعَاةٍ، وَالْتَفَّ الشَّامِيُّونَ حَوْلَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْخُرُوجَ لِمُقَابَلَةِ غَازَانَ وَطَلَبِ الْأَمَانِ لِلشَّعْبِ، وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا جَرَى بَيْنَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَغَازَانَ فِي لِقَاءٍ بَيْنِهِمَا، ثُمَّ ذَكَرَ مَا جَرَى مِنَ التَّتَارِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى أَوَاسِطِ شَعْبَانَ سَنَةَ ٦٩٩ انْظُرْ هَامِشَ ص ٣٣٠ - ٣٣٢ وَانْظُرْ عَنْ سَنَةِ غَازَانَ أَوْ وَقْعَةِ غَازَانَ: الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ ١٤/٦ - ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>