للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعَبُّدِ شَبَهٌ (١) مِنَ النَّصَارَى ; فَآخِرُ أُولَئِكَ الشَّكُّ وَالرَّيْبُ، وَآخِرُ هَؤُلَاءِ الشَّطْحُ وَالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةُ، لِأَنَّ أُولَئِكَ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ فَصَارُوا إِلَى الشَّكِّ، وَهَؤُلَاءِ صَدَّقُوا بِالْبَاطِلِ فَصَارُوا إِلَى الشَّطْحِ، فَأُولَئِكَ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، [يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ] (٢) ، وَهَؤُلَاءِ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا.

فَمُبْتَدِعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِمَا ابْتَدَعُوهُ، وَلَمْ يَتَّبِعُوا الْعِلْمَ الْمَشْرُوعَ وَيَعْمَلُوا بِهِ، فَانْتَهَوْا إِلَى الشَّكِّ الْمُنَافِي لِلْعِلْمِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ بِالْمَشْرُوعِ، لَكِنْ زَاغُوا فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَكَانُوا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ.

وَمُبْتَدِعَةُ الْعُبَّادِ (٣) طَلَبُوا الْقُرْبَ مِنَ اللَّهِ بِمَا ابْتَدَعُوهُ فِي الْعِبَادَةِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ إِلَّا الْبُعْدُ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ مَا ازْدَادَ مُبْتَدِعٌ اجْتِهَادًا إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بُعْدًا.

وَالْبُعْدُ عَنْ رَحْمَتِهِ (٤) ، هُوَ اللَّعْنَةُ وَهُوَ غَايَةُ النَّصَارَى. وَأَمَّا الشَّرَائِعُ فَالْيَهُودُ مَنَعُوا الْخَالِقَ أَنْ يَبْعَثَ رَسُولًا بِغَيْرِ شَرِيعَةِ الرَّسُولِ الْأَوَّلِ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ مَا شَرَعَهُ. وَالنَّصَارَى جُوَّزُوا لِأَحْبَارِهِمْ أَنْ يُغَيِّرُوا مِنَ الشَّرَائِعِ مَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ (٥) ، فَأُولَئِكَ عَجَّزُوا الْخَالِقَ، وَمَنَعُوهُ مَا


(١) ن، م: شُبْهَةٌ.
(٢) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) ، (ي) وَفِي (ر) : لُجِّيٍّ إِلَى قَوْلِهِ: بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
(٣) ن، أ، ر: الْعِبَادَةِ.
(٤) ن، م: عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
(٥) ن، م: رُسُلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>