للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ - مَلِكِ النَّاسِ - إِلَهِ النَّاسِ - مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ - الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ - مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سُورَةُ النَّاسِ: ١ - ٦] . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى: مِنَ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ: مِنَ الْجِنَّةِ وَمِنَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ أَوَّلًا تَتَنَاوَلُ الْجِنَّةَ وَالنَّاسَ، فَسَمَّاهُمْ نَاسًا، كَمَا سَمَّاهُمْ رِجَالًا. قَالَهُ الْفَرَّاءُ.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى: مِنْ شَرِّ الْمُوَسْوِسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنِّ، وَمِنْ شَرِّ النَّاسِ مُطْلَقًا. قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّ (١) الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ الْمُوَسْوِسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَمِنَ النَّاسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ، فَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (٢) .

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ١١٢] .

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ


(١) أَنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(٢) انْظُرِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي فِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ زَادَ الْمَسِيرِ ٩/٢٧٩ وَذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ فَذَكَرَ آيَةَ ١١٢ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الْقُرْطُبِيُّ قَبْلَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَقَالَ: (أَخْبَرَ أَنَّ الْمُوَسْوِسَ قَدْ يَكُونُ مِنَ النَّاسِ قَالَ الْحَسَنُ: هُمَا شَيْطَانَانِ، أَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَيُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَأَمَّا شَيْطَانُ الْإِنْسِ فَيَأْتِي عَلَانِيَةً، وَقَالَ قَتَادَةُ، إِنَّ مِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينَ وَإِنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ، رِوَايَةً مُخَالِفَةً لِلْحَدِيثِ هُنَا، وَأَوْرَدَ آيَةَ ١١٢ مِنْ [سُورَةِ الْأَنْعَامِ] .

<<  <  ج: ص:  >  >>