للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ نُفِيَ بِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ، لَكَانَ عَامَّةُ النَّاسِ لَا صَلَاةَ لَهُمْ وَلَا صِيَامَ. فَإِنَّ الْكَمَالَ الْمُسْتَحَبَّ مُتَفَاوِتٌ، وَلَا أَحَدَ يُصَلِّي كَصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَكُلُّ مَنْ لَمْ يُكْمِلْهَا كَتَكْمِيلِ الرَّسُولِ يُقَالُ: لَا صَلَاةَ لَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ فَرْضًا مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا يُؤْمَرُونَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَالْإِيمَانُ إِذَا تُرِكَ بَعْضُ فَرَائِضِهِ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ؟ .

قِيلَ: لَيْسَ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ مُطْلَقًا، بَلْ يُؤْمَرُ بِالْمُمْكِنِ ; فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِعَادَةُ أَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُمِرَ أَنْ يَفْعَلَ حَسَنَاتٍ غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ أُمِرَ بِالظُّهْرِ فَلَا تَسُدُّ مَسَدَّ الْجُمُعَةِ، بَلِ الْإِثْمُ الْحَاصِلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ يَزُولُ جَمِيعُهُ بِالظُّهْرِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ عَمْدًا ; فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا مَا دَامَ يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ أُمِرَ بِالدَّمِ الْجَابِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْقِطًا عَنْهُ إِثْمَ التَّفْوِيتِ (* مُطْلَقًا، بَلْ هَذَا الَّذِي يُمَكِّنُهُ مِنَ الْبَدَلِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ تَوْبَةً تَغْسِلُ إِثْمَ التَّفْوِيتِ *) (١) ، كَمَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ تَوْبَةً تَغْسِلُ إِثْمَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بِحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ فَوَّتَ وَاجِبًا لَا (٢) يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُهُ، وَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ.

وَهَكَذَا نَقُولُ (٣) فِيمَنْ تَرَكَ بَعْضَ وَاجِبَاتِ الْإِيمَانِ، بَلْ كُلَّ مَأْمُورٍ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ جُزْءًا مِنْ إِيمَانِهِ، فَيَسْتَدْرِكُهُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ فَاتَ وَقْتُهُ تَابَ وَفَعَلَ حَسَنَاتٍ أُخَرَ غَيْرَهُ.


(١) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) .
(٢) ح، ب: لَمْ.
(٣) ن، م، و: يَقُولُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>