للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مِنَ الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ مَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ وَالْبَيِّنَاتُ، فَاخْتَلَفُوا لِلْبَغْيِ وَالظُّلْمِ، لَا لِأَجْلِ اشْتِبَاهِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الِاخْتِلَافِ الْمَذْمُومِ مَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كُلِّهِمْ ; لَا يَخْتَلِفُونَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمُ (١) الْحَقُّ ; وَيَجِيئَهُمُ، الْعِلْمُ (٢) فَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. ثُمَّ الْمُخْتَلِفُونَ الْمَذْمُومُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَبْغِي عَلَى الْآخَرِ، فَيُكَذِّبُ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْحَقِّ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ حَقٌّ، وَيُصَدِّقُ بِمَا مَعَ نَفْسِهِ مِنَ الْبَاطِلِ، مَعَ الْعِلْمِ (٣) أَنَّهُ بَاطِلٌ.

وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مَذْمُومُونَ. وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الِاخْتِلَافِ الْمُطْلَقِ (٤) كُلُّهُمْ مَذْمُومِينَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ; فَإِنَّهُ مَا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ خَالَفَ حَقًّا وَاتَّبَعَ بَاطِلًا. وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ الرُّسُلَ أَنْ تَدْعُوَ إِلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ، وَهُوَ دِينُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ.

قَالَ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [سُورَةُ الشُّورَى: ١٣] .

وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ - وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ - فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: ٥١ - ٥٣]


(١) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) .
(٢) الْعِلْمُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .
(٣) أ، ب: مَعَ عِلْمِهِ.
(٤) الْمُطْلَقُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

<<  <  ج: ص:  >  >>