للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وَهَذِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّا نَقِفُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُطْلَقَةِ، بَلْ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ النَّارَ مَنْ يُدْخِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ] (١) ، وَنَاسٌ آخَرُونَ لَا يَدْخُلُونَهَا لِأَسْبَابٍ. لَكِنْ تَنَازَعُوا: هَلْ يَكُونُ الدَّاخِلُونَ بِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ، كَعِظَمِ (٢) الذُّنُوبِ وَكَثْرَتِهَا، وَالَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِسَبَبٍ مَنَعَ ذَلِكَ، كَالْحَسَنَاتِ الْمُعَارِضَةِ وَنَحْوِهَا؟ وَأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِحِكْمَةٍ وَأَسْبَابٍ؟ أَمْ قَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ، فَيُعَذِّبُ الشَّخْصَ وَيَعْفُو عَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ؟ هَذَا لَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ وَالنُّصُوصُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ تَوَافِقُ الْأَوَّلِ.

وَإِنَّمَا قَدْ نَقِفُ فِي الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ; فَلَا نَشْهَدُ لَهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ إِلَّا عَنْ عِلْمٍ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ بَاطِنِهِ وَمَا مَاتَ عَلَيْهِ لَا نُحِيطُ بِهِ، لَكِنْ نَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ.

وَلَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ بِالْجَنَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: مِنْهُمْ مَنْ لَا يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ جَاءَ فِيهِ نَصٌّ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَالثَّالِثُ: يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِهَؤُلَاءِ وَلِمَنْ شَهِدَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» " (٣) . وَقَالَ: " «يُوشِكُ أَنْ


(١) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
(٢) كَعِظَمِ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ صَوَابٌ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِعِظَمِ.
(٣) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٣/٤٩٨ وَأَوَّلُهُ: (وَجَبَتْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>