للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ٨٧ - ٩٠] فَأَخْبَرَ: أَنَّهُ يَخُصُّ بِهَذَا الْهُدَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَخْبَرَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ خَصَّ بِهَذَا الْهُدَى مَنِ اهْتَدَى بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ بِهِ (١) ، وَدَلَّ عَلَى تَخْصِيصِ الْمُهْتَدِينَ بِأَنَّهُ هَدَاهُمْ وَلَمْ يَهْدِ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ.

وَالْهُدَى يَكُونُ بِمَعْنَى الْبَيَانِ وَالدَّعْوَةِ، وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: ١٧] .

وَيَكُونُ بِمَعْنَى جَعَلَهُ (٢) مُهْتَدِيًا، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بِقَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: ٧] ، وَبِقَوْلِهِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ٢] . وَذَلِكَ أَنَّ هَدَى بِمَعْنَى دَلَّ وَأَرْشَدَ قَدْ يَكُونُ بِالْقُوَّةِ، فَهَذَا مُشْتَرَكٌ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ فَهَذَا مُخْتَصٌّ. كَمَا تَقُولُ (٣) : عَلَّمْتُهُ فَتَعَلَّمَ، وَعَلَّمْتُهُ فَمَا تَعَلَّمَ. وَكَذَلِكَ: هَدَيْتُهُ فَاهْتَدَى، وَهَدَيْتُهُ فَمَا اهْتَدَى، فَالْأَوَّلُ مُخْتَصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَالثَّانِي مُشْتَرَكٌ.

وَلَيْسَ تَعْلِيمُهُ وَهُدَاهُ كَتَعْلِيمِ الْبَشَرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ، وَالْمُتَعَلِّمُ يَتَعَلَّمُ بِأَسْبَابٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْمُعَلِّمُ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الْعِلْمَ فِي قُلُوبِ (٤) مَنْ عَلَّمَهُ. وَلِهَذَا يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ فَيُقَالُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْبَشَرِ (٥) ; فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ.


(١) وَ: مَنْ هَدَى بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ.
(٢) ن، م: جَعَلْتُهُ
(٣) ن، م: وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِقَوْلِهِ. .
(٤) ح، ب، ي: فِي قَلْبِ
(٥) ن، م: لِبَشَرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>