للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلُوبِهِمْ إِيمَانٌ، شَبَّهَهُمُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ الْيَابِسَةِ الَّتِي لَا تُثْمِرُ، فَالْخَشَبَةُ [الْيَابِسَةُ] إِذَا كَانَتْ [لَا ثَمَرَ فِيهَا] لَا تُمْدَحُ (١) وَلَوْ كَانَتْ عَظِيمَةً، وَهَكَذَا الصُّورَةُ مَعَ الْقَلْبِ (٢) ، نَعَمْ قَدْ تَكُونُ الصُّورَةُ عَوْنًا عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، [كَمَا تَكُونُ الْقُوَّةُ] وَالْمَالُ (٣) وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَيُحْمَدُ صَاحِبُهَا إِذَا اسْتَعَانَ بِهَا (٤) فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَعَفَّ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِ الْجَمَالُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ أَسْوَدَ، وَفَعَلَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنَ الْجَمَالِ كَانَ أَيْضًا فِيهِ الْجَمَالُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ الَّذِي يُثَابُ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْن مُطْلَقِ الْإِرَادَةِ وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ مَوْجُودٌ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، فَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَيْهِ مَكْرُوهٌ لَهُ ; يُرِيدُهُ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ، كَمَا يُرِيدُ الْمَرِيضُ تَنَاوُلَ (٥) الدَّوَاءَ الَّذِي يَكْرَهُهُ وَيَتَأَلَّمُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى مَا يُحِبُّهُ مِنَ الْعَافِيَةِ، وَإِلَى زَوَالِ مَا هُوَ أَبْغَضُ إِلَيْهِ مِنَ الْآلَامِ (٦) .

والْجَهْمِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ إِنَّمَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يَشَاؤُهُ وَمَا يُحِبُّهُ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ لِلَّهِ مَحَبَّةً لِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمَخْلُوقَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَفَرَحًا بِتَوْبَةِ التَّائِبِ. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا: الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ


(١) ن: فَالْخَشَبَةُ إِذَا كَانَتْ لَا تُمْدَحُ.
(٢) وَ: الصُّوَرُ مَعَ الْقُلُوبِ.
(٣) ن، م: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْمَالُ.
(٤) ن، م: إِذَا اشْتَغَلَ بِهَا.
(٥) و: بِتَنَاوُلِهِ.
(٦) ح، ب: مِنَ الْأَلَمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>