للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَثِقُ بِهَا، وَلَا يَرْجُوهَا، وَلَا يَخَافُهَا ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ سَبَبٌ يَسْتَقِلُّ بِحُكْمٍ، بَلْ كُلُّ سَبَبٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أُمُورٍ أُخْرَى تُضَمُّ إِلَيْهِ، وَلَهُ مَوَانِعُ وَعَوَائِقُ تَمْنَعُ مُوجِبَهُ، وَمَا ثَمَّ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْإِحْدَاثِ إِلَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا شَاءَ خَلَقَهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يُحْدِثُهَا وَيَصْرِفُ عَنْهُ الْمَوَانِعَ، فَلَا يَجُوزُ التَّوَكُّلُ إِلَّا عَلَيْهِ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ١٦٠] .

وَمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ فَهُوَ حَقٌّ. وَقَدْ عَلِمَ وَحَكَمَ بِأَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ يُحْدِثُهُ هُوَ - سُبْحَانَهُ - بِالسَّبَبِ الْفُلَانِيِّ. فَمَنْ نَظَرَ إِلَى عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ فَلْيَشْهَدِ الْحُدُوثَ بِمَا أَحْدَثَهُ، وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْحُدُوثِ بِلَا سَبَبٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ شُهُودُهُ مُطَابِقًا لِعِلْمِهِ وَحُكْمِهِ.

فَمَنْ شَهِدَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الْوَلَدَ لَا مِنْ أَبَوَيْنِ لَسَبْقِ عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ ; فَهَذَا شُهُودُهُ عَمًى، بَلْ يَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - سَبَقَ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ بِأَنْ يَخْلُقَ الْوَلَدَ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأَبَوَانِ سَبَبٌ فِي وُجُودِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ سَبَقَ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ بِحُدُوثِهِ بِلَا سَبَبٍ. وَإِذَا كَانَ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ قَدْ أَثْبَتَ السَّبَبَ، فَكَيْفَ أَشْهَدَ الْأُمُورَ بِخِلَافِ مَا هِيَ [عَلَيْهِ] (١) فِي عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ؟ وَالْعِلَلُ الَّتِي تُنْفَى نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى الْأَسْبَابِ وَتَتَوَكَّلَ عَلَيْهَا. وَهَذَا شِرْكٌ مُحَرَّمٌ (٢) . وَالثَّانِي: أَنْ تَتْرُكَ مَا أَمِرْتَ بِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ،


(١) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) ، (ر) .
(٢) ح: شِرْكٌ وَمُحَرَّمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>