للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يُغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ؟ وَالْقِسْطُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» " (١) ، فَالْإِحْسَانُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَالْعَدْلُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ.

كَمَا [ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (٢) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِي يَعْدِلُونَ فِي أَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا» " (٣) ، وَلِبَسْطِ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا خَلَقَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ، لِحِكْمَةٍ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، فَهُوَ مُرِيدٌ لِكُلِّ مَا خَلَقَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ مَخْلُوقَاتِهِ إِنَّمَا خَلَقَهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ يُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبُّهُ.

وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَشِيئَةِ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ، وَأَكْثَرُ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ، كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ (٤) ،


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ١/١٣٩
(٢) ن، م: كَمَا فِي الصَّحِيحِ.
(٣) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ ٣/١٤٥٨ (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ) ، سُنَنُ النَّسَائِيِّ ٨/١٩٥ - ١٩٦ (كِتَابُ آدَابِ الْقُضَاةِ، بَابُ فَضْلِ الْحَاكِمِ الْعَادِلِ فِي حُكْمِهِ) . وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِمَا: " إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ. . إِلَخْ "، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ٩/٢٤٩ - ٢٥٠، ٢٥٤
(٤) م: وَالْمَالِكِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>