للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْلُقُ فِعْلَ أَحَدٍ.

وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَعِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْأَبْرَارَ أَبْرَارًا، وَالْمُسْلِمِينَ مُسْلِمِينَ، وَعِنْدَهُمْ مَنْ أَمَرَهُ وَجَعَلَهُ فَاعِلًا لِلْمَأْمُورِ صَارَ فَاعِلًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ فَاعِلًا [لَهُ] (١) لَمْ يَصِرْ فَاعِلًا لَهُ (٢) فَأَهْلُ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ أَرَادَ مِنْهُمْ إِيمَانَهُمْ وَطَاعَتَهُمْ أَمْرًا وَخَلْقًا، فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُمْ فَاعِلِينَ لِذَلِكَ (٣) ، وَلَوْلَا إِعَانَتُهُ لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ لَمَا أَطَاعُوهُ. وَأَهْلُ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ أَمَرَهُمْ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ مُطِيعِينَ، فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَ طَاعَتَهُمْ، لَكِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِهَا وَأَرَادَهَا مِنْهُمْ إِرَادَةً شَرْعِيَّةً دِينِيَّةً ; لِكَوْنِهَا مَنْفَعَةً لَهُمْ وَمَصْلَحَةً إِذَا فَعَلُوهَا، وَلَمْ يُرِدْ هُوَ أَنْ يَخْلُقَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَإِذَا كَانَ يُحِبُّهَا بِتَقْدِيرِ وَجُودِهَا، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِأَمْرٍ يَكْرَهُهُ، أَوْ لِفَوَاتِ مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَدَفْعُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ، فَيَكُونُ تَرْكُ هَذَا الْمَحْبُوبِ لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وُجُودِهِ، كَمَا أَنَّ وُجُودَ الْمَكْرُوهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِوُجُودِ الْمَحْبُوبِ يَجْعَلُهُ مُرَادًا لِأَجْلِهِ، إِذَا كَانَ مَحَبَّتُهُ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِعَدَمِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْوَسِيلَةُ (٤) .

وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ نَصَحْتَهُ بِقَوْلِكَ عَلَيْكَ أَنْ تُعِينَهُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِهِ. فَالْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ دَائِمًا يَنْصَحُونَ النَّاسَ وَيَأْمُرُونَهُمْ، وَيَدُلُّونَهُمْ عَلَى مَا إِذَا فَعَلُوهُ كَانَ صَلَاحًا لَهُمْ، وَلَمْ يُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُونَ قَادِرِينَ، لَكِنْ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ لِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ.


(١) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٢) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .
(٣) ن، م: لَهُ.
(٤) و: وَسِيلَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>