للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَادَى فِي السَّمَاءِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، وَاللَّهُ إِذَا نَادَى جِبْرِيلَ يَقُولُ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا.

وَلِهَذَا لَمَّا نَادَتِ الْمَلَائِكَةُ زَكَرِيَّا قَالَ تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٣٩] ، وَقَالَ: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ٤٢] .

وَلَا يَجُوزُ قَطُّ لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهِ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ؟ وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا خَلَقَ صِفَةً فِي مَحَلٍّ كَانَ الْمَحَلُّ مُتَّصِفًا بِهَا، فَإِذَا خَلَقَ فِي مَحَلٍّ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً أَوْ حَيَاةً أَوْ حَرَكَةً أَوْ لَوْنًا أَوْ سَمْعًا أَوْ بَصَرًا كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، الْقَادِرُ، الْمُتَحَرِّكُ، الْحَيُّ، الْمُتَلَوِّنُ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، فَإِنَّ الرَّبَّ لَا يَتَّصِفُ بِمَا يَخْلُقُهُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، بَلْ كُلُّ مَوْصُوفٍ لَا يُوصَفُ إِلَّا بِمَا يَقُومُ بِهِ، لَا بِمَا يَقُومُ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ.

فَلَوْ كَانَ النِّدَاءُ مَخْلُوقًا فِي الشَّجَرَةِ ; لَكَانَتْ هِيَ الْقَائِلَةُ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ. وَإِذَا كَانَ مَا خَلَقَهُ الرَّبُّ (١) فِي غَيْرِهِ كَلَامًا لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَلَامٌ إِلَّا مَا خَلَقَهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ إِنْطَاقُهُ لِأَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَلَامًا لَهُ، وَتَسْبِيحُ الْحَصَى كَلَامًا لَهُ، وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ عَلَى الرَّسُولِ كَلَامًا لَهُ، بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامَهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.


(١) ن: اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>