للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَخْلُوقُ الْمُنْفَصِلُ عَنِ الرَّبِّ لَيْسَ هُوَ خَلْقُهُ إِيَّاهُ، بَلْ خَلْقُهُ لِلسَّمَاوَاتِ (١) وَالْأَرْضِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: الْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ، فَرُّوا مِنْ أُمُورٍ ظَنُّوهَا مَحْذُورَةً، وَكَانَ مَا فَرُّوا إِلَيْهِ شَرًّا مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ ; فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ الْخَلْقُ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ لَكَانَ إِمَّا قَدِيمًا وَإِمَّا حَادِثًا، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْمَخْلُوقِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَلْقٍ آخَرَ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ.

فَقَالَ لَهُمُ النَّاسُ: بَلْ هَذَا مَنْقُوضٌ عَلَى أَصْلِكُمْ (٢) ; فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ يُرِيدُ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ، وَالْمُرَادَاتُ كُلُّهَا حَادِثَةٌ. فَإِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ قَدِيمًا وَالْمَخْلُوقُ حَادِثًا؟ وَإِنْ كَانَ هَذَا غَيْرَ جَائِزٍ، بَلِ الْإِرَادَةُ تُقَارِنُ الْمُرَادَ، لَزِمَ جَوَازُ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ. وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِهِ خَلْقٌ مُقَارِنٌ لِلْمَخْلُوقِ. فَلَزِمَ فَسَادُ قَوْلِكُمْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْخَلْقَ حَادِثٌ. فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ. فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: الْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا حَادِثَةٌ، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى خَلْقٍ حَادِثٍ. فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً بِخَلْقٍ حَادِثٍ؟ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُدُوثَهَا بِخَلْقٍ حَادِثٍ أَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ مِنْ حُدُوثِهَا كُلِّهَا بِلَا خَلْقٍ أَصْلًا ; فَإِنْ كَانَ كُلُّ حَادِثٍ يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَإِنْ


(١) ح، ب: السَّمَاوَاتِ.
(٢) ن: فَيُقَالُ لَهُمْ: بَلْ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَى أَصْلِكُمْ، م: فَيُقَالُ لَهُمْ: خَالَفَهُمُ النَّاسُ: بَلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>