للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِقْرَاطَ (١) أَنَّهُ قَالَ: " وَاعْلَمْ أَنَّ طِبَّنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّ أَرْبَابِ الْهَيَاكِلِ كَطِبِّ الْعَجَائِزِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّنَا ".

فَالْقَوْمُ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِمَا وَرَاءَ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ وَالْفَلَكِيَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُجَرَّدُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَطَائِفَةٌ (٢) ، بَلْ مَلَائِكَةٌ مَلْءُ (٣) الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَالْجِنُّ أَيْضًا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ قَدْ وَكَّلَ الْمَلَائِكَةَ بِتَدْبِيرِ هَذَا الْعَالَمِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ.

وَالْمَلَائِكَةُ أَحْيَاءٌ نَاطِقُونَ، لَيْسُوا أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِغَيْرِهَا، كَمَا يَزْعُمُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ. وَلَا هِيَ مُجَرَّدُ الْعُقُولِ الْعَشْرَةِ وَالنُّفُوسِ التِّسْعَةِ، بَلْ هَذِهِ (٤) بَاطِلَةٌ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ (٥) .


(١) أَبِقْرَاطُ Hippocrates طَبِيبٌ مَاهِرٌ عَاشَ خَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، تَتَلْمَذَ فِي الطِّبِّ عَلَى أَسْقَلِيمْبِيُوسْ، تَكَلَّمَ عَنْهُ مُبَشِّرُ بْنُ فَاتَكٍ فِي كِتَابِهِ (مُخْتَارُ الْحِكَمِ) وَحُنَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ: " نَوَادِرُ الْفَلَاسِفَةِ " تُوُفِّيَ سَنَةَ ٣٥٧ ق. م. انْظُرْ: عُيُونَ الْأَنْبَاءِ فِي طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص ٢٤، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ وَالْحُكَمَاءِ لِابْنِ جُلْجُلٍ ص ١٦ - ١٩ تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ لِلْقِفْطِيِّ ص ٩٠ الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ ص ٢٨٧ - ٢٨٨.
(٢) ح، ب: وَطَائِفَتُهُ.
(٣) بَلْ مَلَائِكَةٌ مَلْءُ: كَذَا فِي (و) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَلْ بِمَلِيكِهِ بَلْ.
(٤) ن، م: هِيَ.
(٥) انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِي " مُقَارَنَةٌ بَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ " (ط. دَارِ الْقَلَمِ، الْكُوَيْتِ ١٣٩٥ ١٩٧٥) ص ٨٩ - ٩٢ مِنْ رَدِّ ابْنِ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ وَمَوَاضِعُ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي ذَلِكَ. وَانْظُرِ: الرَّدَّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ، ص ٤٩٣ - ٤٩٩ الصَّفَدِيَّةَ ١/١٩٦ - ٢٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>